ما زلنا في الصف النهائي أو المتأخر بين الأمم المتحضرة التي تحترم ماضيها وتراثها وتاريخها وأقولها بكل أسف بمناسبة ما تردد عن افتتاح متحف خاص بمقتنيات الفريق الركن عبدالكريم قاسم رئيس وزراء حكومة 14 تموز 1958 والهدايا التي تسلمها من ضيوفه الكبار الذين زاروا العراق إبان فترة حكمه التي امتدت حتى 8 شباط 1963وبرغم أن المناسبة تبشر بالتفاؤل فهي عودة إلى جمع مقتنيات وهدايا حكام العراق من جديد واطلاع الرأي العام العراقي على فترات حكم وحكام سواء رضينا بها أو لم نرضَ فهذا ليس مهما بقدر أهمية خلق قناعات الاعتزاز بماضي العراق لدى أجيال "كفرت" بالحكام والوطن في آن واحد نتيجة العذابات التي تسببت بها هذه الأنظمة الديكتاتورية ومن ضمنها فترة حكم الزعيم نفسه.
الشعوب الحية – وهذا ما أشرت إليه في مقالات سابقة – تحترم ماضيها بكل ألوانه الصارخة والفاقعة ففي مصر ما زالوا يحتفظون بقصور الملك فاروق بل وما زالت الملعقة الصغيرة الخاصة بنجله الطفل الصغير عند مغادرته في عام 1952 موجودة في القصر لم تعبث بها يد! وما زال الكرملين يحتفظ بصور وكرستالات وأثاث القياصرة الروس إلا نحن فقد دمرنا كل ماله علاقة بملوكنا ورؤسائنا.. "فلشوا" بناية البلاط الملكي في الكسرة وحولوه إلى نادٍ للضباط.. سرقوا الهدايا التي قدمها الملك محمد الخامس وميكويان وسوكارنو إلى عبدالكريم قاسم واحتفظوا بها في سراديب البنك المركزي ولا أعرف ما علاقة البنك بمقتنيات الزعيم.. وكان في العراق إلى سنوات قليلة خلت اكبر متحف لمقتنيات الرئيس الأسبق صدام حسين في منطقة "ساعة بغداد" نهبت أغلبها!!
افتتاح متحف خاص بالزعيم قاسم قد تكون بادرة طيبة لتوسيع وتطوير الفكرة إلى متحف اكبر يضم مقتنيات ملوك العراق ورؤساء الجمهوريات الذين تعاقبوا على حكم العراق منذ عام 1958.
في عهد الرئيس الأسبق عبدالسلام عارف أقيم متحف للتشهير بخصومه وعندما استولى هؤلاء الخصوم على السلطة قاموا بــإزالة المتحف عن بكرة أبيه.. نتمنى أن لا تقام المتاحف للإساءات والتشهير وفرض منطق الغلبة بل لعرض بقايا ممتعة وثمينة من تاريخ العراق من دون أي هدف آخر!
كما أتمنى أن يفتح الباب أمام المواطنين لتسليم أو إهداء ما لديهم من مقتنيات وهدايا خاصة بحكام العراق إلى الجهات المعنية للاحتفاظ بها فهي الأولى أن تقيم لنا متحفا كبيرا للأجيال العراقية لتطلع على نماذج حقيقية من مقتنيات الملوك والزعماء والقادة العراقيين ولنتوقف عن تبادل السباب والشتائم بل نتوقف عن زرع الكراهية في القلوب لان تاريخ العراق هو تاريخنا وليس تاريخ احد من غير العراقيين بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذا الملك أو الحاكم!
عندما قامت "طالبان" بتفجير تماثيل قامت الدنيا ولم تقعد برغم أنها تماثيل وثنية لا تمت للإسلام بصلة وعندما غزت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق في عام 2003 تم التخلص من نصب كانت جزءا من تاريخ مرحلة عراقية مخضبة بدماء الشهداء.. تم التخلص من نصب الجيش العراقي بحجة فتح "نفق" فاشل في منطقة باب المعظم!!
ونذكر أن الروس ما زالوا يحتفظون بتماثيل مؤسس الاتحاد السوفيتي فلاديمير ايليتش لينين برغم إزالة الشيوعية وزوال الاتحاد السوفيتي نفسه وما زال الروس يحتفظون بكل صغيرة وكبيرة تتعلق بحربهم الوطنية ضد النازيين!
لا اعرف على أي طريق نمشي نحن العراقيين في احترام ماضينا أو احتقاره؟! فما زالت أغلال الرجعية والتفكير القاصر والثقافة الإقطاعية تجرنا ذات اليمين وذات الشمال.. للأسف ما زلنا قاصرين في احترام وطنيتنا وعراقيتنا!
مقالات اخرى للكاتب