الإسلام يفتح ذراعيه لاحتضان الآخر وقبوله بأحسن القبول وأكرمه يقول الله عز وجل " لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" - الممتحنة:8 - ، فى هذه الآية الكريمة أرسى الله عز وجل مبدأ إنسانياً عظيماً من مبادىء الإسلام وقاعدة إلهية عالية سامية يلتزم بها جميع المسلمين فى كل زمان ومكان ألا وهي : معاملة الآخر مهما كان دينه أوجنسه أو نوعه أو لونه بالبر والقسط ؛ والبر هو الصفة الجامعة لكل .أنواع الخير ، والقسط هومنتهى العدل والإنصاف وهو أخص فى المعنى من العـدل . إن الإسلام بهذه القاعدة القرآنية لم يجعل الآخر يطالب بهذه الحقوق ، وإنما جعلها حقوقاً شرعية واجبة مفروضة على جميع المسلمين حكاماً ومحكومين أفراداً وجماعات ومجتمعات فى جميع الأزمنة وفى جميع الأمكنة ، فالمسلم يجب أن يتعامل مع الآخر بالبر والقسط طالما أن الآخر لم يقاتله فى الدين ولم يخرجه من داره ، والدار تشمل البيت وتشمل الوطن . وهذه القاعدة القرآنية التى أرساها الله عز وجل ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع قاعدة قرآنية أخرى وهي أن الإنسان مكرمٌ عند الله عز وجل ومفضلٌ على كثيرٍ من الخلائق "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلأ" الإسراء:70 إن الإسلام يزرع فى المسلم قبول الآخر قبولاً حسناً ويغرس فيه التسامح مع الآخر غرساً ، حتى يتعايش الجميع متحابين متعاونين لأن الذى يجمعهم هو آدميتهم وإنسانيتهم بكل ما تحمله الآدمية والإنسانية من معاني راقية وقيم سامية .. من كرامة ، وحرية ، وعدل ، ومساواة ، ورحمة ، وأمن ، وأمان لتحقيق السعادة والخير للبشرية كلها لذلك يقول الله عز وجل مخاطباً الناس كل الناس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ - الحجرات:13 لقد وضع الإسلام أعظم قاعدة فى حقوق الإنسان ألا وهي حرية العقيدة بشرط ألا يجور الإنسان على الآخرين بهذه الحرية ولا يؤذيهم فى عقيدتهم فكل إنسان حر فى اختيار دينه وعقيدته كما يشاء " لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " – البقرة:256 . إن الإسلام يدعو ويؤكد على التسامح مع الآخر ومعاملته بأحسن معاملة إنسانية من خلال تطبيق قيم البر والقسط مع كل إنسان طالما لم يحاربك فى دينك أو يخرجك من دارك ووطنك . لذلك فإن الدعاوى المتطرفة التى نسمعها من هنا أو هناك لا تمثل الإسلام فى شيء ولا تمثل سماحة الإسلام ورحمته وإنما هي دعاوى إرهابية خبيثة ماكرة تحاول أن تلبس عباءة الإسلام لزرع الفرقة والفتنة وبث الطائفية البغيضة خدمة لليهود الصهاينة والاستكبار الأمريكي والغرب العنصري الذين لايريدون للشعوب أن تتحد وتتعارف ، ليعيثوا فى الأرض فساداً وظلماً وعدواناً مستحلين بذلك دم الشعوب وثرواتها . إن الإسلام برىء من هذه الدعاوى الإرهابية المتطرفة لأن الإسلام يدعو جميع الإنسانية وجميع الناس إلى التعايش بقيم التسامح والرحمة والمحبة . إن الإسلام دين الرحمة ، الرحمة بكل معانيها وكل قيمها ، ورسول الإسلام هو رسول الرحمة (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) فالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بذاته وصفاته وأقواله وأفعاله وتعاليمه وأخلاقه هو مبعوث الرحمة الإلهية لكل العالمين .
الكاتب والمفكر الاسلام
السيد جمال محمد الهاشمي
مقالات اخرى للكاتب