متابعة الأوضاع في العراق وعلاقاته بجيرانه تحتاج لقدر كبير من الصبر والحكمة بسبب حجم الكوارث والاحداث التي تسجل يوميا والتي قد يتجاوز الكثير منها حدود المنطق والعقل، فالعراق الذي عرف على مدى تاريخه بـ(الواهب العام) في جميع القضايا الانسانية وغيرها وحتى في حروبنا التي كانت تسجل دائما بالنيابة عن الجيران ودول العالم، نرى الْيَوْمَ بعض الدويلات تحاول تشويه تلك الحقائق التاريخية وتصوير العراق كرجل مفلس بحاجة للتصدق عليه حتى وان كانت من أموال خصصت كفدية لمجموعة مسلحة خطفت مواطنيها وادخلت للعراق من دون موافقات حكومية على الرغم من قيمته التي تبلغ 500 مليون دولار، لتحاول بعدها قطر تدارك موقفها والتحرك لامتصاص ردة فعل الحكومة العراقية من خلال اعلان ان تلك الأموال ستكون هبة للعراقيين، وأن الدوحة ليست بحاجة لها، لتكون بذلك طبقت المثل القائل (العذر أقبح من الفعل) فهي بدلا من الاعتذار عن طريقة ادخال تلك الأموال وانتهاكها لسيادة العراق من خلال التفاوض مع مجاميع مسلحة وأطراف دولية واقليمية حاولت تلميع صورتها المعروفة بدعم الجماعات المسلحة والإرهابية، من خلال التبرع بتلك الأموال للشعب العراقي، فمن يطلع على صفقات التبادل التي حصلت في سوريا بين الجماعات المسلحة كجبهة النصرة وتنظيم (داعش) يرى اغلبها تمت بوساطة قطرية ومنها حادثة الإفراج عن راهبات معلولا في آذار من العام 2014، مقابل إطلاق سراح سجناء من جبهة النصرة وبعض المجاميع المعارضة لنظام بشار الأسد، والتي لعبت قطرا دورا رئيسيا فيه، وهناك العديد من الحوادث وعمليات الإفراج عن مختطفين لا مجال لذكرها هنا، لكن الغريب هو ان تتحول قطر من داعمة للمجاميع الإرهابية الى لعب دور المحسن والكريم على الشعب العراقي فهو ما لا يصدقه العقل.
حجم الأموال والتصريحات القطرية اجبرت رئيس الحكومة حيدر العبادي على الخروج من صمته، وتوجيه انتقادات حادة للحكومة القطرية وطريقة تصرفها في معالجة قضية المختطفين، ووجه رسالة للدوحة تتضمن وضع اليد على تلك الأموال وعدم السماح بخروجها لأية جهة، لكن العبادي لم يتحدث في مؤتمره الاسبوعي عن الإجراءات التي ستتخذها الحكومة وهل قبلت بالهبة القطرية ام رفضتها، فمن حق الشعب العراقي ان يطلع على موقف حكومته من تلك الأموال وكيف سيتم استخدامها خاصة بعد تنفيذ جميع شروط الخاطفين بفك الحصار عن القرى السورية المحاصرة وإطلاق سراح معتقلين من حزب الله اللبناني ولَم يتبقى غير شرط الفدية المالية، الذي خلق مشكلة جديدة بين بغداد والدوحة التي تناست ان دفع أموال الفديات جريمة بحد ذاته لأن ذات الأموال ستستعمل في خطف رهائن آخرين، كما أنها تعتبر تشجيعا للخاطفين على التمادي في عمليات الخطف ما دامت مجزية ماليا.
لكن المتابع للاوضاع يرى ان حادثة مطار بغداد لم تكن سوى تأكيد لسلوك دأبت عليه قطر منذ عدة سنوات، باستغلال عاملين هما صلاتها الوثيقة بالجماعات المتشدّدة دينيا من مختلف المذاهب والتيارات، ومن جهة ثانية ثراؤها المادي الذي يتيح لها تلبية مطالب تلك الجماعات لقاء إطلاقها سراح من تختطفهم، في حين تكون عملية دفع الأموال لتحرير الرهائن لا تخلو من ارتدادات على دافع الفدية ذاته، كونها تثير الشكوك بوجود صلة ما بالخاطفين، وينطبق هذا على قطر التي كانت خلال السنوات الماضية مؤهلة دون غيرها للتقرب من الخاطفين ومحاورتهم في أكثر من عملية اختطاف قامت بها المجاميع الإرهابية في العديد من الدول وخاصة سوريا، لكن في قضية اختطاف الصيادين في العراق يبقى السؤال هو اين ستذهب أموال الفدية القطرية اذا رفضت الدوحة استلامها وكيف ستتصرف حكومة بغداد بتلك الأموال؟
مقالات اخرى للكاتب