يعتبر الفقر من أخبث وأخطر الأمراض التي عرفتها الإنسانية، وهو العلة التي عجز عقل الإنسان عن مواجهتها والقضاء عليها، فمنذ القدم وهو يتفشى شمالاً وجنوباً في بلدان العالم. مرضٌ لا يقل في حدته عن أخطار الأسلحة الفتاكة النووية والهيدروجينية. والأخطر ما فيه أنه يجبر بعض مرضاه على الانحراف ليكونوا مجرمين وقتلة وسرّاقاً يفسدون المجتمع ويمنعون تقدمه وازدهاره .
إنه وعلى رغم كل ما يتمتع به العالم من علم وابتكارات وخيرات وصناعات ثقيلة وثقافات وعلماء ومفكرين ونظريات مالية وعلمية، إلا أن هذا الداء لا يزال يضرب ويشرّد ويقتل ويفتك بكل ضحاياه من الفقراء، فيسقط الملايين من البشر سنوياً إما موتى، أو جرحى بإعاقات مزمنة. وحسب التقرير السنوي للبنك الدولي فإن عدد الفقراء في العالم قد وصل إلى 767 مليون شخص، وأنه «سيندرج الملايين من الناس حول العالم، ضمن فئة الذين يعيشون تحت خط الفقر».
خبراء الاقتصاد والمال يعتقدون بأن كوكب الأرض به خيرات وموارد تكفي لجعل سكان الأرض، البالغ عددهم 7.359 مليارات نسمة، أن يعيشوا في رفاهية وحياة كريمة من دون فقر وذل وحرمان، بشرط أن يتم توزيع ثروات الأرض بالحد الأدنى من العدالة. ويقوم ذلك على أساس اعتقاد علماء الاقتصاد بأن السبب الأساسي وراء الفقر هو غياب العدالة، وتفشّي حالة الظلم والفساد الذي يهيمن على كثير من دول العالم، وهذا السبب هو أحد الأسباب التي ساهمت في تقسيم العالم إلى عالم صناعي متقدم، وعالم فقير نامٍ.
الفقر كحالة معيشية ليس عيباً؛ بل هو مدرسة الإنسان الأولى، فقد تخرّج منها ملايين البشر بل أكثر أثرياء العالم كانوا طلاباً في هذه المدرسة العريقة. فمتى يكون الفقر عاراً؟
عندما تنعدم العدالة الاجتماعية، ويتفشى الفساد الإداري والمالي في المجتمع، ويكون الأثرياء ورجال السياسة، وبسبب جشعهم وطمعهم اللامحدود سبباً لانتشار الفقر في المجتمع. وعندما يجول ويمرح الفاسد من دون أي ردع ورقابة فعلية على جرائمه، فيستغل مركزه الإداري لنهب المال العام وتوظيف أقاربه، ويبعد أصحاب الكفاءات والشهادات ليلحقهم بصفوف العاطلين والفقراء. فالفقر هنا لابد أن يكون عاراً على الدولة وظلماً بحق كل فقير… «ولا تأْكُلُوا أَموالَكُم بينكم بالباطِلِ».
عندما تكون السياسات الاقتصادية والمالية مصدراً لإهدار واستنزاف الموارد، وسبباً لعدم قدرة الاقتصاد على تحقيق النمو المستدام، وتحسين الوضع المعيشي لأفراد المجتمع، فيعمل الاقتصاد من دون بوصلة فعلية وتنعدم الرؤية والأهداف، عندها تكون أي زيادة في عدد الفقراء عيباً في النظام الاقتصادي للدولة.
عندما نسيء كأفراد استخدام ثرواتنا وطاقاتنا العقلية والجسدية، ونرفض تحمل المسئولية في اغتنام فرص التعليم والتدريب والتأهيل، وحماية أنفسنا من الفقر والافتقار، فنكون اتكاليين متقاعسين متهورين نتفنن في التبذير بالوقت والمال، وغير مدركين لمسئولياتنا ومستقبلنا ومتطلبات المعيشة، فإن أي فقر يصيبنا سيكون حتماً عيباً في قدراتنا العقلية، وعاراً علينا كمجتمع يرغب في تحقيق النمو والازدهار.
عندما يكون الاقتصاد العالمي ظالماً وقاسياً على الفقراء بحيث أن 97 في المئة من الامتيازات العالمية تكون في يد الدول الصناعية، وأن أكثر من 80 في المئة من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة صناعية، عندها يكون الفقر عيباً وعاراً على الأمم المتحدة ونظامها السياسي. جورج سروس، أحد أقطاب العولمة، يقول «لقد أدت العولمة إلى انتقال رؤوس الأموال من الأطراف – أي البلدان النامية – إلى المركز أي الدول الغربية، فأية عدالة هذه؟
عندما تكون الفجوة بين الأغنياء والفقراء في ازدياد مستمر بحيث أن ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم (حسب دراسة للجزيرة) يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم، وأن ثروة 200 من أثرياء العالم تتجاوز نسبتها دخل أكثر من 40 في المئة من سكان العالم، بينما يعيش 1.2 مليار شخص على أقل من دولار واحد في اليوم، ويموت 35 ألف طفل يومياً بسبب الجوع والمرض، وعندما تكون إجمالي المساعدات المقدمة للدول الفقيرة أقل بكثير عمّا تنفقه تسعة من البلدان الصناعية على غذاء القطط والكلاب في أسبوع واحد فقط، عندها يكون الفقر المدقع الذي تعاني منه شعوب العالم عاراً على الإنسانية والنظام الاقتصادي العالمي.
عندما يحق للدول الخمس الكبرى حق الاعتراض على أي قرار يقدّم لمجلس الأمن دون إبداء الأسباب، ويكون لهذه الدول كل الحق بتقديم أفضل أشكال الدعم السياسي للدول والأنظمة الظالمة والمحتلة وغير الشرعية، فإن الفقر والظلم والمعاناة التي يعاني منها كثير من شعوب العالم والناتجة عن هذه الممارسات غير العادلة ستكون حقاً عاراً على ميثاق الأمم المتحدة.
مقالات اخرى للكاتب