في حقيقة الامر لا يوجد اعلام بلا رقابة ونقصد بذلك الاعلام التقليدي المتمثل بالصحف والقنوات الفضائية والاذاعات والمواقع الإخبارية الالكترونية. ويستثنى من ذلك مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك و تويتر ويوتيوب وغوغل. حتى الصحف والاذاعات والفضائيات والمواقع المستقلة تخضع لضوابط نشر معينة ومحددات يضعها مالكو هذه الوسائل .
الاخبار الكاذبة والمزيفة اخذت حيزا كبيرا في المحتوى لدى مواقع الفيسبوك وتويتر وهذا اربك كثيرا من الحكومات ..ليس العراقية فحسب التي غالبا ما تسوق باسمها اخبارا وبيانات مفبركة، سرعان ما يظهر زيفها وكذبها بعد ان تأخذ حيزاً من اهتمام وسائل الاعلام، بل ان حكومات عديدة تعاني المعاناة نفسها، منها البريطانية والأمريكية وحتى الألمانية. فقد اعتبر وزير العدل الألماني هيكو ماس ان مبدا حرية التعبير لا يعني التشهير وان حرية التعبير لا تكفل القذف والقيل والقال. واكد الوزير يجب مقاضاة تلك الحالات حتى وان كانت على الانترنت، وطالب القضاء الألماني ملاحقة الاخبار الكاذبة التي تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي. الى ذلك دعا مسؤولون المان الحكومة الألمانية الى تشريع قانون ضد خطاب الكراهية والاخبار الكاذبة على فيسبوك.
كما ان دان بروك عضو مجلس الإدارة في القناة التلفزيونية البريطانية الرابعة حذر من ان الاخبار الكاذبة يمكن ان تربك الديمقراطية.. بروك يتحدث عن بريطانيا وما يمكن ان تؤديه الاخبار غير الصحيحة على مجرى الانتخابات في بلاده. حيث قال ان تلك المنصات الكبرى تزعم انها شركات تكنلوجية وليست وسائل اعلام ، وبالتالي فان تنظيم المحتوى الاخباري ليس من مسؤوليتها.
الامر اذن ليس سهلا بل هو في غاية الخطورة. فالاخبار الكاذبة بدأت تؤثر على الديمقراطيات في الدول الاوربية.. وبدا المسؤولون في هذه الدول يدركون خطورة ذلك.. ووزير العدل الألماني شدد على ان اية شركة تجني المليارات من الانترنت يجب ان تتحلى أيضا بمسؤولية اجتماعية، وان تعمل على حذف التشويه الذي يخضع لملاحقة قضائية على الفور بمجرد الإبلاغ عنه. ويجب تسهيل الإبلاغ عن الاخبار الكاذبة. لكن ثقافة الامر الواقع هي ما يخلق وعي الناس، فالشركات الكبرى تسيطر على مراكز الانترنت والميديا، وهي من يفصل بين الكذب والحقيقة. وتضخ معلومات في دماغ الانسان وتصفه هكذا: ينتفخ ، يتورم ، يعاد تشكيله، يعاد تشكيل المعرفة نفسها.
المحاور البريطاني الشهير جون همفريز يرى ان ما يتداوله الناس يوميا على فيسبوك وتوتير لا يمكن التعويل عليه باي حال من الأحوال بوصفه اعلاما فالشروط الإعلامية المفقودة من هذا المحتوى المتداول صار موضع جدل هل هو اعلام ام لا.. لان تأثيره فاق التوقع واثر على الجمهور وغير مزاجه. ووصل حد ارباك الديمقراطيات الكبرى.. فكيف الامر بديمقراطيات فتية نشأت حديثا في الشرق الأوسط. غير ان ادارتي شركتي غوغل وفيسبوك أعلنتا مؤخرا انهما تعملان على إيجاد سبل القضاء على الاخبار الكاذبة ووقف انتشارها. انه امر مشكوك فيه.. لان هذه المواقع صنعت الفوضى الإعلامية الخلاقة بتخطيط مسبق.
ولان الصحفيين هم من يكتبون المسودة الأولى للتاريخ حسب راي روث ماركوس الذي كتبه في الواشنطن بوست اصبح من الصعب الان مراجعة ما يُكتب في وسائل التواصل الاجتماعي ولم يستطيع مراجعة المدونات التاريخية التي تحمل عبئ التحقق من دقة وصحة ما ينشر وهذا يعني حسب راي ماركوس ان التاريخ سيصبح كذبة كبرى. فهل ستتعاون إدارة الموقع المذكورة فعلا عند تلقيها شكاوى من مؤسسات واشخاص حول بعض الاخبار المتداولة؟
مقالات اخرى للكاتب