يتخندق مروجو الفتن وأصحاب الأغراض الدنيئة خلف أجهزتهم الاليكترونية مبيتين النية للنيل من وحدة العراقيين, لتوقظ فيهم عقد التأريخ وإبراز الخلافات وتعميقها وتجسديها بطريقة تنم عن جهل وتجاهل لمشاعر بعضا من الناس وإلغاء وجودهم, واستخفافا بعقول البعض الآخر انسجاما مع الأهداف السياسية لإبقاء العراقيين في شغل شاغل بهذا النوع من المناكدة تلهيهم عن مآلات الوضع في العراق, وانعكاسا للازمات السياسية إن لم تكن هي جزء من هذه الأزمات وعملية التسقيط السياسي بين الأحزاب.
وقد بان بشكل جلي إن الطائفيين قد اتخذوا من مواقع التواصل الاجتماعي جبهة ملائمة للاحتراب, فازدهر التنابز الطائفي والسب والشتم للرموز الدينية لهذا المذهب وذاك، أو هذا السياسي وذاك, فما يكاد موضوع يطرح إلا وتوجهت بوصلة النقاش لإثارة الفتن والأحقاد بتعمد ممنهج, ليصبح التخندق الرقمي الطائفي مجسدا للكثير من ظواهر الاقتتال على ارض الواقع ومنسجما مع طبيعة الأزمات السياسية.
والملاحظ إن هذا الخواء الطائفي لا يصدر عن جهلة ومراهقين وحمقى فحسب، ولكن المصيبة انه يصدر عن مدّعي العلم والزاعمين إنهم يحملون على ظهورهم أسفاراً من الكتب والمفاهيم والثقافة, صفحات لصحفيين وإعلاميين وبعضم أو في الأحرى بعضهن يختبئن تحت واجهة (ناشطة) وما أكثرهن، وحتى صفحات لنواب في البرلمان تنشر الحقد والكراهية وتعليقات لا تخلو من وضاعة تنم عن شخصية المعلقين وأصحاب الصفحات الذين سمحوا لتكون صفحاتهم مكبا للنفايات وعلى الآخرين (مرغمين) أن يشموا روائحها النتنة وان يكونوا سبيلا وشركاء معهم في تمرير هذه القاذورات إلى أصدقائهم ومعارفهم عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
لماذا يتخندق العراقيين كلما نعق ناعق وتلفظ بالقاذورات اللفظية ليشفي غليل هذا السياسي أو ذاك والبرهنة على إنهم من أنصار المذهب ؟ ... ولم هذه المحاباة لامعات من أشباه المثقفين الذين استعان بهم الساسة كمحاربين اليكترونيين لتجييش الطوائف بعضها ضد بعض, أو من يتنكر خلف اسم وهمي في مواقع التواصل الاجتماعي وتهافت السذج بتعليقاتهم السقيمة تأييدا وتملقا, خاصة إذا كان الحساب يضع صورة واسم فتاة ؟ ... وماذا عسانا أن نقول ومروجو الفتنة وقد بلغوا أرذل العمر أو ارفع المناصب هم من يعتلي منابر التمزيق والتشتت، ويفترض أن تكتسي شيباتهم الوقار والحياء، أو على الأقل احترام ذاتهم، بدلا من تأجيج العوام المنغمسين في نار البغض والكراهية, والابتعاد والترفع عن الجدال العقيم والمراء السقيم؟... هل السب والشتيمة في المقابل كفيل بإصلاح ما يسببه فعل شخص أحمق أو متهور أو عميل في جيش اليكتروني الحزب ما ؟ وهل الدخول في مثل هذه المساجلات المريضة يحل المشاكل ويحدّ منها ويردع المرتزقة الذين يقتاتون عليها؟..
لننبذ الطائفية من صفحات التواصل الاجتماعي , فهي الأخطر في سرعة وصولها إلى السذج والجهلة بخطاب موجه , ومن ثم في استخدامهم أيضا كواسطة لنشر هذه الأكاذيب عبر صفحاتهم, والقدرة على بث الأكاذيب والإشاعات دون الحاجة إلى مصادر إخبارية موثوقة, فإذا كان من الحكمة أن لا يجادل الأحمق وقيل "إن جواب الأحمق السكوت" ففي هذا الموضع لا يكفي السكوت والتجاهل ليكون جوابا لحماقة مروجو الفتن, فهناك الحذف والحضر والإبلاغ, هي وسائل فعالة لنبذ الطائفية والحفاظ على القيم والمبادئ والروح الوطنية للعراقيين, لنقم بحملة جماعية لتقييم أصدقاء الفيسبوك والتويتر, مشاركاتهم, وتعليقاتهم, وحتى أصدقاء الأصدقاء, لأنهم بالتأكيد مسؤولين عن خياراتهم, لنرى صفحاتنا وقد خلت من الحمقى .
مقالات اخرى للكاتب