أصبح الفساد حاضراً في تفسير الظواهر التي يشهدها العراق، حتى بات هناك استشعار دائم من أية حالة تنتاب المجتمع بأن الفساد وراءها.
ولو اردنا ان نجرب حقيقة ما قدمناه ، من خلال التطرق الى واحدة من الازمات التي لازمتنا منذ سنين طويلة ، ويبدو انها لا تريد ان تفارقنا ، وهي ازمة الكهرباء، لسمعنا كلاما مشتعبا عنها، لا ينتهي عند حدود "الأموال" التي "بددت" على هذا القطاع، او المليارات التي لم تحقق الغاية المرجوة منها في الحصول على الكهرباء لمدة 24 ساعة، وانما تتعداها الى خارج تلك الحدود، حيث تبدأ من فكرة وجود مصالح داخلية لتشغيل خطوط المولدات الاهلية، ومصالح خارجية تتعلق بتنشيط تجارة المولدات التي اصبحت لها اسواقا في العراق، وبالتالي تعدو من فكرة كونها ازمة فنية الى عملية مخطط لها لصالح الحيتان الكبار.
لذا، ما ان تفتح موضوع ازمة الكهرباء مع اي مواطن، حتى تراه يسوق اليك هذه المعطيات وتتصاعد نبرته نتيجة الارهاق الذي يعانيه، خصوصا في فصل الصيف، ليتحول محور حديثه الى تهم وسباب وشتائم ، مستحضرا كل الوعود السابقة واللاحقة ، عن تحسن المنظومة الوطنية، وصولا الى حالة الاكتفاء ، ثم التصدير ، ولا ينفك عنك حتى يدخلك في دهاليز السياسة ، ليعطيك تصورا ان الازمة الكهربائية في الاصل ازمة سياسية، يقصد منها اشغال الناس والهائهم لصالح الطبقة السياسية التي تريد ان تحصد المال والبنون وحدها، وبالتالي يبدو من طرحه ان هناك مؤامرة على الشعب تقتضي حرمانه من مستلزمات الحياة العصرية التي تتجلى في حصوله على طاقة نظيفة توفر له فرصة التنعم بالضوء والهواء العليل والماء البارد.
ولعل شكل الفساد يأخذ سعة في التصور الى حد يصبح عائقا ازاء التفكير في اي مشروع خدمي او استثماري، اضافة الى اعادة النظر في جميع المشاريع السابقة المرتبطة بحياة الناس، فمثلا تجد من يلح على الغاء البطاقة التموينية ، لأنها وفرت مناخا خصبا لتكاثر المفسدين، لا يقف عند حدود الرؤوس الكبيرة التي تدير العملية التموينية، انما يتعداها متنقلا بين كل حلقاتها الى ان يصل الى الوكيل.
فيما يضع آخر المراحل التي يمكن ان تستغل في هذا المشروع او ذاك لأغراض شخصية، او لتحقيق مصالح ربحية وتندرج طبعا ضمن قائمة طويلة من حركة الفساد المتصاعد في البلاد، والتي وضعتها في المراتب المتقدمة بين الدول الأكثر فساداً.
فلو طرحت ، مثلا، توفير الأدوية في صيدليات حكومية بأسعار مدعومة ، كالتي كانت تعرض سابقا في صيدليات بلاط الشهداء، لوجدت من يحذرك من مخاطر مثل هذا الاجراء، الذي سيشجع طواقم المفسدين في ايجاد منفذ جديد لسرقة المال العام، وما كان يحسب للمواطن، يتحول الى عبء ثقيل على الميزانية.
وهكذا، لا تجد فكرة مشروع في بالك الا وتصطدم بخطوط طول وعرض من عمليات فساد متوقعة، بالتأكيد سيكون الخاسر فيها دوما المواطن ، سواء نفذت أو حذفت ، حيث لم يجن منها ما يصبو اليه ، لأن المفسدين سوف يحولون اتجاهاتها لصالحهم.
مقالات اخرى للكاتب