منذ تحرر العراق من الطاغية المقبور صدام حسين، والطارئون يتفرعون، في المسرح والأدب والإعلام، يدعون تهميش النظام السابق لهم، جراء مواقف معارضة!
يواصلون ركوب الموجة، مدعين مصادرته لمواهبهم، بينما المرحلة التالية على 9 نيسان 2003، لم تشهد ظهور اية موهبة خارقة، ولا حتى موهبة بالحد الكافي لتدعي انها أقلقت النظام السابق، فقمعها خشية ان تهز دعائم اركانه.
أما من حققوا حضورا لافتا بمنجزات محلية، فاضت الى الخارج.. مدا، حين انحسر، مجزرا في العراق، من جديد، كشف عن كنوز من جوائز عالمية وإقليمية، نفخر بها، فهم موجودون مع النظام السابق، وبعضهم متعاون معه، إن لم يعمل في دوائره المدنية والمخابراتية، لكنهم أفادوا من مديات الحرية التي اتيحت امامهم لتناول موضوعات كان النظام يحظرها، ورفع العقوبات الدولية عن العراق؛ الذي اتاح لهم الانتشار.
بالنتيجة لم يأتِ بهم عهد ما بعد 2003، لكنهم افادوا من موهبتهم التي تشكلت ابان عهد النظام السابق، أما الادعياء؛ فنعرفهم بحضورهم الشخصي، في الحياة الثقافية، اناس محدودو الموهبة، شحيحو الرؤى.. كل في ميدانه، فمنهم من كان يتقدم للمهرجانات المسرحية التي تقام تعظيما لصدام، فتعتذر لجان الفحص لعدم استيفاء عمله الحد الادنى من المواصفات، وثمة من يبعث للصحف بقصائد وقصص عن "القائد الضرورة" لا ترتقي للنص القصصي والشعري؛ فتعتذر الصحف عن نشرها؛ صاروا الآن يقولون انهم ترفعوا عن الاشتراك بفعاليات النظام، في حين حاولوا الاشتراك، والنظام هو الذي لم يبالِ بهم لضعف أدائهم الفني.
ولأنهم يظنون العراق اليوم "ديرة فنطزة" يمكنهم ترويج بضاعتهم الكاسدة، إزاء المحاججة العلمية، والرائجة يسوغها الجهل المطبق على إدارة القرار الثقافي؛ فإنهم ينشئون الاتحادات والنقابات والجمعيات والروابط، من دون حتى معرفة الفرق بين النقابة المهنية ورابطة الهواة والاتحاد الذي يجمع أكثر من ميدان تصب في مجال موحد.
هذا التشظي أضعف مكانة الاديب والفنان والاعلامي، ولم يبقِ له مرجعية قوية، إنما كل واحد يلملم جماعته ويطرح نفسه نقيبا او رئيس اتحاد، يضم اعضاء لم يستوفوا شروط الميدان الذي يمثله هذا التشكيل، بل هو نفسه.. النقيب او الرئيس، غير مستوف لعضوية الهيئة العامة في النقابة التي نسخها.
لذا اتمنى ان تبادر الحكومة لسن تشريع يحظر اقامة مؤسسة مجتمع مدني، تنسخ تشكيلاً سابقا عليها؛ لأن قيمة الثقافة برصانتها المتأتية من تقادم الزمن، ونكهة أصوات الرواد المعتقة بين اركانها، مثل شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري الذي أسس نقابة الصحفيين، وأسهم مع يوسف العاني وجوق عظماء.. ننحني إجلالاً لتاريخهم، اسسوا اتحاد الادباء والكتاب، واسماعيل الشيخلي وسامي عبد الحميد ومن كان حولهم في تأسيس نقابة الفنانين.
تلك الاسماء، لها حوب عند ابن المهنة، المتشبع بإبداعها، اما النفعيون الذين لم يحققوا حضورا لدى النظام السابق؛ فقد جاؤوا لينسفوا تلك القامات القيمية الخالدة، التي ما زالت تعلم الاجيال الادب والفن والاعلام، من قبورها، ينشئون تشكيلات تنسخ جهد الرواد، من دون ان تحل بديلا أفضل منه؛ لأنهم قاصرون عن المنافسة المهنية؛ غالبون بالإدعاء، وتسويق الذات، في زمن انفلتت فيه القيم من عروتها الوثقى، حتى سامها كل سائم.. موتور يريد ان يثأر من فن أو أدب أو أعلام، كشف ضحالة موهبته، فيلجه عنوة، كالجبان القبيح الغبي، الذي يغصب بنت عمه على ترك حبيبها الوسيم الشجاع الذكي، والاقتران به زوجا رغم انفها، مسفها رجولته؛ مثبتا انه طارئ على الرجولة، وكذا الأمر بالنسبة للأدب والفن والإعلام، يغتصبه سفهاء.. يؤسسون نقابات وجمعيات؛ تضمهم للمهنة، وليسوا مهنيين اصلا، وانضموا للنقابة.
مقالات اخرى للكاتب