ان المياه على مستوى الكرة الارضية ثابت وشمولي كونه اساس كل شيء وخلقة الله سبحانه بقدر فاصبحت زيادة معدل الطلب عليه تتفاوت بين منطقة واخرى من العالم . وفي منطقة الوطن العربي فان زيادة الطلب على المياه بتصاعد مستمر سيما وان موارد العرب من المياه تشكل منها 6% خارج حدود البلدان العربية واوضح مثل على ذلك هو حوضي دجلة والفرات وما يعانيه سوريا والعراق من حالة الجفاف وشحة الامطار . ولا يخفى ان الموارد المائية تشكل دورا رئيسيا في حياة الانسان حيث لا يمكن ان تقوم الحياة وتتطور بدون المياه . وما زال الحديث عن شحة المياه في العراق ، فان الحياة منذ ان قامت به ووجدت على ارضه كانت تنمو وتنتعش على مياه النهرين الخالدين دجلة والفرات .
فقد مارس العراقيون القدماء العديد من النشاطات الزراعية واستخدموا شتى طرق الري سواء كان ذلك بطريقة السيح من الانهار والجداول او بالواسطة . فيما تخبرنا الحفريات ان سكان وادي الرافدين انشأوا الخزانات وشقوا جداول الارواء منذ الالف الثامنة ق .م وكذلك اقاموا السدود سيما وان العديد من المدن والتجمعات السكانية نشأت على جانبي مجرى النهرين وكانت تنظم الحصص المائية بينهم بقوانين ، دلت عليها شرائع لبث عشتار واوركاجينا واورنمو وحمورابي على وجه الخصوص التي تحقق نصوصا قانونية حددت بموجبها التزامات معينة على المزارعين ووضعت اسس علاقتهم مع بعضهم . وهكذا استمر التنظيم والقانون والاتفاق هو سيد العلاقات لاستخدام المياه، والذي بموجبه استثمر العباسيون خصوبة ارض العراق وانشأوا الكثير من السدود والمشاريع الاروائية وفق اساليب علمية . وفي العصر الحديث كان العراق سباقا في تطوير مشاريعه الاروائية وتوسيع الرقعة الزراعية ، مما أكد حقوقه التاريخية ورسخها على مر العصور كونه قد سبق دول الحوض في استخدام اكبر كمية من مياه الفرات . في حين لم تستفد تركيا من مياه النهرين الا بعد سنة 1974 فيما تمكنت تركيا ايضا من الاستفادة من مياه نهر دجلة في وقت قريب جدا . وعند شروع تركيا باقامة مشاريع لاستغلال مياه النهرين دون ان تأخذ في الحسبان حقوق العراق الراسخة ،ولم تتشاور معه او تتفاوض بجدية لغرض الاتفاق على الكيفية التي تنفذ بها تلك المشاريع دون الحاق ضرر بحقوق العراق . مع الاخذ بعين الاهمية اعتبار ان النهرين دوليين ، لان النهر الدولي هو النهر الذي تقع اجزاء منه في دول مختلفة ولذلك فان نهري دجلة والفرات هما دوليان لوقوع اجزاء منهما في ثلاث دول هي تركيا وسوريا والعراق ، ولذلك فهما يخضعان لقواعد القانون الدولي التي تنطبق على الانهار الدولية وخاصة ( قواعد هلسنكي )
المتعلقة باستخدام مياه الانهر الدولية التي نتجت عن مؤتمر القانون الدولي في دورة مدريد سنة 1911 والبالغة سبع قواعد والمعروفة للجميع . وتبعا لذلك فان هنالك عدد من اتفاقيات وبروتوكولات التي نظمت بعض اوجه استغلال النهرين والتي منها :1. اشارت المادة الثالثة من معاهدة باريس المعقودة في 23 /12/1920 بين فرنسا وبريطانيا بصفتهما الدولتين المنتدبتين عن العراق وسوريا على عقد اتفاق بينهما لتسمية لجنة مشتركة يكون من واجبها الفحص الاولي لاي مشروع تقوم به حكومة الانتداب الفرنسي في سوريا لمياه نهر الفرات ومياه دجلة ، حتى لا تتاثر كمية المياه عند نقطة دخولهما الى المنطقة الواقعة تحت الانتداب البريطاني والتي هي العراق .
2. نصت اتفاقية لوزان المعقودة بين دول الحلفاء وتركيا في تموز 1923 ، في بعض موادها على مادة خاصة شاملة لهذا الموضوع وهي المادة 109 وما يلي نصها ( عند عدم وجود احكام مخالفة يجب عقد اتفاق بين الدول المعنية من اجل المحافظة على الحقوق المكتسبة لكل منهما ، وذلك عندما يعتمد النظام المائي مثل فتح القنوات ، الفيضانات ، الري ، البزل ، والمسائل المماثلة ، على الاعمال المنفذة في اقليم دولة اخرى ، او عندما يكون الاستعمال المائي في اقليم دولة ومصادر هذه المياه في دولة اخرى بسبب تعيين حدود جديدة وعند تعذر الاتفاق تحسم المسألة بالتحكيم )
3. عقدت معاهدة الصداقة وحسن الجوار بين العراق وتركيا سنة 1946 وقد الحق بها وبموجب نص المادة السادسة منها ستة بروتوكولات عالج اولها موضوع تنظيم جريان مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما ،وتكيد حق العراق في تنفيذ اية انشاءات او اعمال على النهرين تؤمن انسياب المياه بصورة طبيعية، او للسيطرة على الفيضانات سواء في الأراضي العراقية او الاراضي التركية على ان يتحمل العراق تكاليف انشاءها . فيما نصت المادة الخامسة من البروتوكول على موافقة حكومة تركيا باطلاع العراق على اية مشاريع خاصة بإعمال الوقاية قد تقرر انشاءها على احد النهرين او روافده وذلك لغرض جعل الأعمال تخدم على قدر الإمكان مصلحة العراق كما تخدم مصلحة تركيا .4. فيما وقع العراق وتركيا في انقرة سنة 1980 على محضر اجتماع اللجنة العراقية التركية للتعاون الاقتصادي والفني فيما ورد في الفصل الخامس منه الخاص بالمياه ما يأتي ( اتفق الطرفان على انعقاد لجنة فنية مشتركة خلال شهرين لدراسة المواضيع المتعلقة بالمياه الإقليمية خلال مدة سنتين قابلة للتمديد سنة ثالثة ، وستدعى الحكومات الثلاثة لعقد اجتماع على مستوى وزاري لتقييم نتائج أعمال اللجنة الفنية المشتركة وتقرير الطرق والإجراءات التي توصي بها تلك اللجنة للوصول الى تحديد الكمية المناسبة والمعقولة من المياه التي يحتاجها كل بلد من المياه المشتركة ).
5. فيما وقع العراق وسوريا اتفاقا مؤقتا سنة 1990 يقضي بتحديد حصة العراق بـ 58% من المياه الواردة في نهر الفرات عند الحدود التركية السورية وحصة سوريا بـ 42 % ، منها ولحين التوصل الى اتفاق ثلاثي ونهائي حول قسمة مياه الفرات مع تركيا .
6. وفي وقت سابق وقعت سوريا وتركيا سنة 1987 اتفاقا مؤقتا يقضي بان تكون كمية المياه الواردة على الحدود التركية السورية أثناء إملاء سد اتاتورك في تركيا بما لا يقل عن (500 م3 /ثا ) وهو الاتفاق الذي اعترض عليه العراق كونه لا يلبي الحد الأدنى من حقوقه المشروعة في مياه نهر الفرات رغم انه اتفاق مؤقت بفترة ملء سد اتاتوك .
ومن المعلوم ايضا ان تركيا شرعت بإقامة مشاريع لاستغلال النهرين منذ مطلع الستينات مبتدأه بسد كيبان الذي تزامن مع سد الطبقة في سوريا على الفرات . وفي ضوء ذلك عقدت اجتماعات ثنائية بين العراق وسوريا 1962 وبين العراق وتركيا سنة 1964 ولم تسفر تلك الاجتماعات عن نتائج .فيما قدم العراق في أيلول سنة 1965 مسودة اتفاق ثلاثي لاستثمار مياه نهر الفرات على أساس يضمن حقوق الدول الثلاث من خلال أول اجتماع ثلاثي عراقي تركي سوري عقد في بغداد إلا انه فشل . أعقب ذلك جولات من المفاوضات على الصعيدين الفني والسياسي وخاصة عند إملاء الخزانات على حوض الفرات كيبان ، الطبقة ، الحبانية ، الا إنها كانت فاشلة مما أصاب العراق في سنتي 1974- 1975 شحة شديدة جدا في مياه نهر الفرات اثر على حياة الناس .وفي سنة 1980 شكلت لجة فنية للمياه المشتركة لتحديد الحصة المائية العادلة والتي عقدت 16 اجتماعا ضمت كل الأطراف إلا إنها لم تنجز مهمتها بسبب موقف الجانب التركي . وإمعانا في التعسف فان تركيا مستمرة بإنشاء المشاريع على نهري دجلة والفرات في إطار مشروعها المسمى مشروع جنوب شرق الأناضول ,وتدعي بأنها تمتلك حق السيادة المطلقة على مياه نهري دجلة والفرات على أراضيها ولم تعترف بان دجلة والفرات نهرين دوليين , وتطلق عليهما وصف المياه العابرة للحدود .
فيما يرى العراق ان نهري دجلة والفرات نهران دوليان طبقا الى تعريف النهر الدولي المتفق عليه دوليا ,لذا فان أية حكومة مقبلة سيفرزها صندوق الاقتراع ويسميها البرلمان لا بد من ان تكون المياه من مهامها الأولى إضافة إلى حدود الوطن المستباحة من جميع دول الجوار دون استثناء وتحت حجج وتذرعات واهية ، اغلبها مسؤول عنها النظام السابق وسياسته المتخبطة . وان أي تهاون وتباطؤ في عملية الحصة المائية وتنظيمها سواء من خلال العلاقات الثنائية او التحكيم الدولي او اللجوء الى الشكوى في مجلس الامن , سيعده الشعب العراقي ثلم في وطنية أي حاكم مقبل . سيما وان شعارات جميع الكتل السياسية التي شاركت في الانتخابات قد الزمت نفسها بهذا المعنى لما يشكله من خطر على حياة الناس والبيئة العراقية .
مقالات اخرى للكاتب