حصل الموساد تدريجيا على كل ما يريده من الشهرستاني , وحصل على البرنامج العراقي , ومراحل التوريد للمعدات , وفي كل هذا , ما زال يظن أنه يعمل لصالح المخابرات الامريكية .. وعندما رجعت زوجته الى باريس , لاحظت وجود أموالا كثيرة لدى زوجها , فأخبرها , أنه تلقى ترقية ومكرمة من العراق على عمله , ثم ما لبث أن أخبرها بتعاونه مع المخابرات المركزية , ألا أن زوجته تحمل من الذكاء , أكثر منه منزلة , فذهبت بعيدا عن المخابرات الامريكية , كما ظن زوجها , بل قد يكون تعامله مع الاسرائيليين مباشرة , وليس الامريكان , وأن الطامة الكبرى لو أكتشف العراقيون أمر زوجها ..
وبفضل المعلومات الدقيقة التي قدمها الشهرستاني , تمكن الاسرائيليون من الوصول الى المستودع الذي تم خزن المفاعلين العراقيين المعدين للتصدير الى بغداد , وأستعانوا بخبرة خمسة مخربين وعالم نووي أسرائيلي , ودخلوا ضمن رتل الشاحنات الفرنسية التي حملت المعدات والمفاعلين الى المستودع , وتمكنوا بفضل المخططات التي حصلوا عليها , من تحديد موضع شحنة التفجير الكافية لتدمير المفاعلين اللذين تم بناؤهما خلال ثلاث سنوات كاملة من العمل , قبل شحنهما ببضعة أيام الى العراق .. وتم للموساد , بمساعدة الشهرستاني , تفجير المفاعلين بوضع خمس شحنات بلاستيكية متفجرة في مواضع مدروسة من قلبي المفاعلين في أحد مستودعات مدينة( سين سور مير ) الفرنسية الواقعة على ساحل البحر الابيض المتوسط , حيث تم نسفهما بتفجيره بكل دقة , ودمروا أكثر من ستين بالمائة من مكونات المفاعلين وبخسارة 23 مليون دولار ..
وللتغطية على العملية , أعلنت مجموعات مجهولة سمت نفسها ( أنصار البيئة الفرنسية ) أو ( اليسار المتطرف ) , كما نسب الامر الى ( فلسطينيين موالين الى ليبيا ) , رغم نفي الشرطة الفرنسية لتلك الادعاءات , وعندما صرح البعض بمسؤلية الموساد , صرخ أنصار أسرائيل ( هذه أتهامات من جهات لا سامية ) .. وهرب البريطاني كما هربت الشقراء مع التاجرين , وتكفلت فرقة جاسوسية أخرى في متابعة حسين الشهرستاني , الذي كان يسمع ويقرأ خبر تفجير مكونات المفاعل النووي العراقي داخل الاراضي الفرنسية , وهو يتناول مع زوجته الكندية ,العشاء الفاخر في أحد المطاعم الفرنسية .. فقد تم أخباره , بأنه فوق مستوى الشبهات , وعليه التعاون مع الاسرائيليين , ( حتى وأن كنت في العراق من دون خوف أو وجل )..
كانت المخابرات العراقية , لا تملك دليلا واحدا , على أن حسين الشهرستاني , أو أي من الفريق , من أفشى بتلك المعلومات , حتى بعد عودته الى العراق , لم يخبر مديرية مكافحة التجسس , التابعة للمخابرات العراقية , بما حصل له في فرنسا ..
وأغتيال وتصفية المهندسين الفرنسيين العاملين في المركز النووي العراقي ببغداد , تخلص الشهرستاني من ورطة التحقيق معه في قضية التجسس لاسرائيل , ألا أنه خلط الاوراق , وأعترف بأنضمامه الى حزب الدعوة , في قضية جديدة , لاختراق أيران لكوادر المفاعل النووي العراقي .. وعلى الرغم من المعلومات الامنية التي أفادت بأن حسين الشهرستاني مستقل , فقد صدر بحقه حكم الاعدام , ألا أنه قدم طلب أسترحام لصدام حسين , وأبدى تعاونه لخدمة العراق , مما حدى بصدام بتخفيف العقوبة الى
السجن المؤبد , بعد أن كشف في أعترافاته , أسماءا كانت تتعاون مع حزب الدعوة وأيران , منها تجنيد كريم شاهبوري الملقب ب( موفق الربيعي ) ومعلومات عن ليث كبة ..
وظلت أسرائيل تتابع حسين الشهرستاني عن قرب وعن بعد من دون ترك وسيلة للارتباط به مستقبلا .. وتشير الاخبار الى تمكن حسين الشهرستاني من الهرب الى أيران , ومنها الى كندا , وظل متنقلا ما بين البلدين , فترة من الزمن , حتى الادلاء بشهادته الزور ,أمام الكونكرس الامريكي , مع أحمد الجلبي , بأمتلاك نظام صدام حسين لاسلحة الدمار الشامل , وبأعتبار أن الشهرستاني كان عالما نوويا , فقد صدقوا أفادته , ووجد جورج بوش الابن , حافزا لغزوه العراق ..
هذا هو حسين الشهرستاني , أو كما يطلق عليه بحليم أو فيما بعد بالمعلم , وقد يخبرنا الزمان , برموز أخرى لهذا العميل , الذي خدم أسرائيل وبريطانيا وأمريكا , وربما أيران في مفاعل بوشهر , أكثر مما خدم بلده , وأقول ربما , لما يتمتع به هذا الاخطبوط عبر تأريخه المشبوه , وشخصيته المتقلبة , وأتصالاته مع أجهزة مخابرات عالمية , والى يومنا هذا , فهو عميل مزدوج بثلاث جنسيات .. وما خفي كان أعظم.
مقالات اخرى للكاتب