يحكى أنه كان في قديم الزمان رجل يدعى عصفور، وامرأته تدعى جراده يعيشان في فقر مدقع وحالة ضنك مزرية. طالت شكوى الزوجة من حياتهما البائسة حتى لم تعد تستطيع أن تحتمل أكثر فأخذت في أحد الأيام الدجاجة الوحيدة التي يملكانها وباعتها في السوق واشترت بثمنها ورقا وريشة للكتابة وعمامة كبيرة.
ولما رجعت للبيت وضعت ما اشترته أمام زوجها وقالت له: "ضع العمامة أنت منذ اليوم ملا عصفور عسى الله أن يرزقك."
سمع الناس بوجود الملا بين ظهرانيهم فبدأوا يتوافدون عليه لينقذهم من مرض أو ضيق أو قلة ذات اليد أو كرب شديد. وكان ملا عصفور رجلا ساذجا طيب القلب قليل الحيلة والذكاء فكان يقول للناس أول ما يتبادر إلى ذهنه ويخطر إلى رأسه فيصيب قوله مقتلا ويصبح حقيقة. فآمن به الناس وذاع صيته في كل البلاد حتى طرقت شهرته أسماع السلطان.
وكانت زوجته تعمل وصيفة في قصر السلطان تعتني بطيور القصر. وفي أحد الأيام وبينما كانت ابنة السلطان تتنزه في الحديقة انزلق الخاتم من إصبعها وقبل أن تنتبه لضياعه ابتلعته أحدى البطات. شاهدت جرادة ما حدث لكنها التزمت الصمت وانتظرت حتى رجعت وقصت على زوجها ما حدث.
"لا بد أن يرسل السلطان في طلبك لتجد الخاتم فاعلم انها بطة بيضاء إلا من ريشة واحدة سوداء في ظهرها"
وفي قصر السلطان حدث هرج ومرج بعد اكتشاف ضياع الخاتم الثمين وكان الخدم والجواري يروحون ويجيئون هنا وهناك بحثا عنه دون جدوى. ثم نصح الوزراء السلطان ان يرسل في طلب ملا عصفور وإلا فلن يجدوا الخاتم.
وجاء ملا عصفور إلى بلاط السلطان. ولما سمع بقضية اختفاء الخاتم عدل عمامته وسوى جبته وقال للسلطان:
"الخاتم في جوف بطة بيضاء في ظهرها ريشة سوداء واحدة"
صاح السلطان بغضب:
"هل تقصد البطة الأثيرة عندي؟"
قال ملا عصفور:
"لا أعلم يا مولاي إن كانت هي البطة الأثيرة، لكني أرى بطة بيضاء تحمل ريشة سوداء"
"هل أنت متأكد من رؤياك؟"
"كل التأكد يا مولاي"
مسد السلطان لحيته الخشنة وقال بترو:
"حسنا. سنذبح البطة. ولكن إن لم نجد الخاتم في جوفها ستدفع رأسك ثمنا لهذا."
فذبحوها وشقوا بطنها وإذا بالخاتم يتدحرج فطار السلطان فرحا وأقبل على ملا عصفور يهنئه بصدق رؤياه. ومنذ ذلك الحين قربه إليه وأغرقه بالهبات والهدايا.
وحدث في صباح يوم أن استيقظ السلطان ليجد ان خزانته المليئة بالجواهر من كل شكل ولون والليرات الذهبية والفضية قد اختفت دون أن تترك أثرا وكأن الأرض ابتلعتها!
وفي هذه المرة لم تثر ثائرته بل أرسل بكل هدوء في طلب ملا عصفور وقال له:
"عليك أن تجد الخزانة وإلا فرأسك البديل"
صعق المسكين فها هو اليوم يواجه ما لم يكن بالحسبان ولعن في سره امرأته التي أوقعته في ورطة لا مخرج منها. فشعر أن نهايته قد دنت ....
والى الغد مع الجزء الثاني والأخير من "ملا عصفور"