ما كانت الناس تنتظر ان تعود مظاهر الجثث الى شوارعنا، ولا سيما في بغداد، ولا ان تتعرض العوائل الامنة للتهديد لا لسبب سوى لانها من طائفة مختلفة، فيما يتواصل القتل على الهوية ومسلسل التفجيرات والاغتيالات، حتى المساجد والحسينيات والمؤسسات العامة لم تسلم من ذلك، اضافة الى ممتـــلكات المواطنين ودورهم ومحلاتهـــم.
صحيح انه بعد نكسة العاشر من حزيران وتمدد داعش الارهابي الى محافظات عدة (حيث يجري الحديث الان عن تجاوز المساحة التي تحت سيطرته 30 بالمائة من مساحة العراق) بات من الضروري ان تكون للتصدي لهذا السرطان الخبيث الاولوية الملحة، وان يحشد كل الجهد الوطني لدحره وتحرير مدننا التي ذاقت الامرّين تحت امرة "المحتلين" الوافدين والداخليين، وضمن هذا الجهد الوطني كان ايضا التطوع في اطار الحشد الشعبي، ولكن كان وما زال مطلوبا ان يتم كل ذلك تحت سلطة الدولة وخططها، وفي اطار مؤسساتها.
غير ان الامور، على الرغم من تضحيات المتطوعين والجهد الشعبي والتي هي موضع التقدير، لم تسر كلها في هذا الاتجاه، فقد بدا واضحا الان ان هناك مجاميع مسلحة، سبق وان اعلن عن حلها، لا زالت موجودة وهي تحت الطلب، فضلا عن الاسراع، استغلالا للظروف، الى تشكيل المزيد منها، والاخطر ان يتم التنافس والصراع بينها.
ان هذه الجماعات المسلحة لا تأخذ اوامرها من الدولة ومؤسساتها، وليس بالضرورة ان تتطابق اجنداتها مع توجاهاتها، ويشكل الامر مفارقة خطرة اذا اخذت هذه المجاميع القانون بيدها واصبحت هي من ينفرد بتقرير مصائر الناس، وزجها في التجاذبات السياسية وفي التحكم بموازين القوى على الارض.
نعم ان بلادنا تمر بظرف استثنائي قل نظيره، وقواتنا المسلحة اصبح واضحا الان انها لا تستطيع لوحدها ان تتصدى للخطر الداهم، بل تحتاج الى الدعم والاسناد، ولكن تمادي المجاميع المسلحة على اختلاف عناوينها ومن يقف خلفها، واصرارها على ان تأخذ الامور بيدها، وتحل محل الدولة ومؤسساتها، سيقود الى الفوضى والمزيد من التعقيد وتسميم الاجواء، ويسجل تناقضا واضحا بين الاقوال والشعارات والدعوة الى تفعيل القانون واحترامه، وبين الواقع المحسوس الذي اخذ الناس يتلمسون ملامحه يوميا، فيما لم تتحرك مؤسساتها المعنية فعليا، لحد الان، للتصدي الى هذه الظاهرة الآخذة بالاتساع، مذكرة باجواء سابقة عاشها الناس في السنوات العجاف 2005 – 2007.
ان هذه الظاهرة الخطرة تهدد اي مسعى لتنقية الاجواء وترطيبها واعادة اجواء الثقة المفقودة بين الاطراف المختلفة، وهي تحتاج الى وقفة جادة وعدم الاكتفاء باعلان مواقف الادانة لها، فالحاجة ابعد، والمطلوب اجراءات حازمة واعلان للخروقات وتسمية للاشياء بمسمياتها، منعا لاي التباس، ولما قد يوفره ذلك من زاد جديد يستغله الارهاب وقواه الظلامية، لتأجيج المشاعر واثارة الفتن والايقاع بين اطياف الشعب الواحد.
مقالات اخرى للكاتب