كثرَ الحديث عن أسباب تاخر عودة النازحين ، او بمعنى أخر لماذا عودتهم بطيئة وليس كما هو متوقع لها بأن تكون بالالاف كما كانت عند هروبهم من ديارهم بعد سطوة تنظيم " داعش " على مناطقهم منذ اكثر من عامين ونصف؟ .
سؤال بحاجة لإجابات طويلة ، كونه قرار سياسي في بعض المناطق ،واتاوات وثارات في مناطق اخرى وبسبب عدم وجود اي حافز يدعو المواطنين للعودة إلى ديارهم المدمرة بشكل كبير في مناطق من صلاح الدين وبيجي والرمادي والفلوجة والكرمة والصقلاوية .كنت قد إستمع الى حوار اجرته احدى القنوات العراقية مع رئيس مجلس محافظة صلاح الدين احمد كريم الجبوري تحدث خلالها عن سبب تاخر عودة النازحين لمناطق صلاح الدين ، وكان السؤال بالصيغة الأتية، "هل سبب تاخر عودة النازحين هو منع الحشد الشعبي لهم كما يشاع في وسائل الإعلام "؟ وكانت اجابته بالنفي المباشر ولكن بعد لحظات قال لا يخفى على احد ان الحشد الشعبي هو المسؤول عن امن صلاح الدين مع ابناء المدينة والقوات الامنية الاخرى لكنه عزى السبب الكبير هو للمشاكل والثارات بين العشائر خصوصاً في بيجي وبلد ويثرب والحجاج على حد قوله .تلك الأسباب أعلاه كفيلة بتاخر عودة النازحين لديارهم كونهم هربوا من جحيم لم يشهدوه من قبل وياملون بعدم تكراره ألا وهو سطوة "داعش" على مناطقهم ، ولا ينتظرون ان تكون مناطقهم ساحة لتصفية الحسابات سواء بين العشائر المتصارعة في المحافظة او بسبب الخوف من الاعتقالات العشوائية التي قد تطالهم من قبل المليشيات المتنفذة هناك .النائب عن محافظة الانبار لقاء وردي هي الاخرى تحدثت عن التقصير والاهمال الحكومي تجاه النازحين ،وقالت بالحرف الواحد "الحكومة لم تقدم اي شيء يذكر للنازحين حتى يتحفز الاخرين للعودة ، لا باصات لنقلهم من مناطق نزوحهم إلى ديارهم ، ولا وفرت لهم منح مالية قد تنفعهم خلال الايام المقبلة، ولا هيأت اي وسيلة من وسائل العيش لا كهرباء ولا ماء بإستنثاء الجهود المحلية التي تبذل من قبل حكومات تلك المناطق .كلام النائب لقاء يعرفه اهل المدينة وكل النازحين لكن الرأي العام يجهله ظناً منهم ان النازحين لا يرومون العودة لديارهم ، لإسباب تتعلق بإن الكثير منهم قد تكيف مع مكان نزوحه ومن الصعب إقناعه بالعودة خصوصاً مع حجم الدمار الذي يشاهده. النازحون اصبحوا في حيرة من أمرهم هل البقاء في مناطق نزوحهم ، ام العودة للديار في ظل وضع يفتقر لابسط مقومات الحياة والعيش الكريم ،سوى في بعض المناطق التي بدأت تعود الحياة فيها تدريجياً مثل الفلوجة والصقلاوية والكرمة والتي بدء أهلها بالعودة إليها كون المُر في داخل مدينتهم أفضل بكثير من مُر العيش خارجها .
إن محنة النازحين الذين نزحوا عن مدنهم وقراهم ومنازلهم ومصادر عيشهم نتيجة دخول داعش لمناطقهم لا تنتهي الا بوضع خطط على جميع الاصعدة الامنية والنفسية وحتى السياسية كون ان السياسة سبب كبير لتاخر العديد منهم كما أسلفت . ضعف الاهتمام من قبل الحكومة وعدم مراعاة وضعهم الماساوي ،وبخاصة بعد تحرير مدنهم وقراهم حيث الريبة من البعض الذين يستغلون" الحشد الشعبي" لزرع الخوف والرعب مما أدى إلى امتناع العديد من العائلات النازحة بعدم العودة.وقد اكدت صحيفة الاندبندنت في مقابلاتها مع بعض العائلات من تكريت الذين اكدوا أنهم كانوا متحمسين للعودة لكنهم مترددين بسبب البعض من " أفراد الميليشيات الذين حرروا المدينة حسب قولهم" كما ذكرت الصحيفة البعض من الأسماء الذين قابلتهم بينهم نساء كشفن عن حرق منازلهن واعتقال العديد من ابنائهن ولذلك أصبح موضوع العودة مستحيل بالنسبة لهم على الاقل خلال الفترة المقبلة.الرجوع اذن اصبح روتيناً عند البعض وغير مطمئن بالنسبة للقسم الاخر حيث انعدام الخدمات فضلاً عن وجود بعض مخلفات الحرب لاتزال في بعض المدن برغم مرور وقت طويل على تحريرها ، ومع ان الرجوع سيكون عاجلاً او أجلاً بالنسبة لجميع النازحين إلا ان الموضوع يحتاج الى الكثير من الخطوات والتهيئة النفسية للنازحين وضرورة حل المشاكل العشائرية والتي من شانها عرقلة العودة للكثير من المناطق خصوصاً من الذين اتهموا بمولاة داعش وتقديم الدعم لها .
مقالات اخرى للكاتب