أعلنت دراسة، موّلتها جامعة مشيغان الأميركية، ونشرت على نطاق واسع في الولايات المتحدة، عن ارتفاع نسبة التشوهات الخلقية في محافظة البصرة العراقية إلى 12 حالة تشوّه لكل ألف ولادة مقارنة بـ 1.3 تشوه ولادي في الألف عام 1994.
وأشارت الدراسة إلى أن معدل تشوّهات الدماغ بلغت في البصرة ستة أضعاف ما موجود في كاليفورنيا الأميركية، برغم ان عدد نفوس الولاية الأميركية يفوق عدد سكان البصرة كثيراً اذ يبلغ نحو 34 مليونا، فيما لا تتجاوز البصرة حاجز المليونين.
ونقل موقع "شفق نيوز"، عن المحلل الأميركي، ديفيد آيزنبيرغ، قوله إن الدراسة "تكشف زيادة مدهشة في عدد التشوهات الخَلقية في مستشفى الولادة في البصرة"، مشيرا الى ان "الأرقام التي أوردتها الدراسة تشير بوضوح إلى أنها أكبر بكثير من المعدل السائد للتشوهات الخَلقية في العالم".
وتبين الدراسة، ان هذه التشوهات تعود إلى ما يسمى علميا بـ"هايدروسيفالوس" وهو تجمع للسوائل في الدماغ عند الأطفال والذي بلغ معدله في البصرة ستة أضعاف ما موجود في كاليفورنيا على سبيل المثال.
وأضافت: أما التشوهات في الدماغ والعمود الفقري والجهاز العصبي في مراحله الأولى فقد بلغ في البصرة 12 حالة تشوّه لكل ألف ولادة، مقارنة مع حالة واحدة لكل ألف ولادة في الولايات المتحدة.
وترى الدراسة، أن "السبب وراء زيادة التشوُّهات الخَلقية الولادية هو زيادة التعرض للتلوث المعدني وبالأخص معدنيْ الزئبق والرصاص".
ناقوس خطر كبير
وبينت الدراسة، أن "شعر الأطفال الذين ولدوا مشوهين يحتوي على خمسة أضعاف كمية الرصاص وستة أضعاف كمية الزئبق الموجوديْن في شعر الأطفال السليمين"، مؤكدة أن "هذا الحجم المرتفع من التلوث المعدني وجد أيضاً في آباء الأطفال الذين ولدوا مشوهين في البصرة".
وأوضحت الدراسة أن التشوّهات الخلقية لدى الأطفال العراقيين لم تقتصر على البصرة اذ شملت قضاء الفلوجة في محافظة الانبار، وتقول بهذا الصدد فقد قام العلماء بدراسة 56 عائلة في مدينة الفلوجة، غربي العراق، والتي شهدت أكثر المعارك في العراق شراسة بعد عام 2003، وكان نصف الأطفال في تلك العائلات يعاني من تشوه ولادي في الفترة بين الأعوام 2007 و 2010.
وكان مصدر في وزارة البيئة، قد كشف منتصف تشرين الأول الحالي، عن وصول نسبة الرصاص في أجواء العراق إلى أكثر من عشرة أضعاف الحد الطبيعي المسموح به، مؤكداً على استمرار النسبة بالارتفاع نتيجة استخدام الرصاص بتحسين البنزين بتفاوت بين المحافظات.
وقال مصدر مطلع طلب عدم الإشارة إلى اسمه في حديث لـ"شفق نيوز"، إن "نسبة غبار مادة الرصاص في أجواء العراق وصلت إلى 10 أضعاف الحد الطبيعي المسموح به بيئياً".
وكانت دراسة أخرى نشرتها مجلة التلوث البيئي والسُمّي في أيلول الماضي إلى أن نسبة التشوهات الخَلقية في العراق ازدادت من 23 حالة من كل ألف ولادة حية عام 2003 إلى 48 حالة عام 2009، لكنها انخفضت إلى 37 حالة في الألف عام 2011 وهي السنة ألأخيرة التي تتوفر فيها بيانات عن هذه الحالات.
وبرغم ان الدراسة تؤكد، أن معدنيْ الرصاص والزئبق هما معدنان سامّان يُستخدمان بكثرة في صناعة العتاد، لكنها تقول، إن "من غير الواضح مدى العلاقة بين ارتفاع نسبة التشوهات الخَلقية ونشاطات قوات التحالف".
فيما تؤكد جامعة مشيغان أن "ذلك لا يبرهن على وجود علاقة مباشرة بين استخدامِهما في البصرة والفلوجة وارتفاع التشوهات الخَلقية".
معدلات عالية
يذكر أن هذه الدراسات ليست الوحيدة التي تربط بين الحروب التي جرت في العراق والتشوهات الخَلقية عند الأطفال.
فقد ذكرت دراسة نشرت عام 2010 في المجلة العالمية للأبحاث البيئية والصحة العامة، أجريت على 5000 عائلة في مدينة الفلوجة أن هناك معدلات مقلقة للإصابة بالسرطان وأن معدل الوفيات بين الأطفال بعمر سنة واحدة أو أقل قد وصل إلى 80 حالة وفاة في الألف وهذا عال جدا مقارنة بمعدلها في مصر البالغ 19.8 في الألف.
ويقول محللون، إن "الدراسات تؤكد على أن الأزمات كلفت الأطفال العراقيين حياتهم وأن هناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث بهدف التعرف على الأسباب وإيجاد العلاج"، مردفين انه "حتى يحصل ذلك فإن الأسئلة ستبقى تدور في أذهان الكثيرين حول تأثيرات الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على العراق".