مقدمة:
لا انكر انني تناقشت مع اشخاص من غير المختصين بالقانون, أبدَو من الملاحظات الدقيقة على مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والأجتماع والتظاهر السلمي, ما كانت لي رافداً في هذه الدراسة وكان جل اعتراضهم على مفهوم النظام العام والآداب العامة وماهي محدداتها؟, ولكن مادفعني للخوض في هذه الدراسة, هو إن الغالبية من غير المختصين ليس لهم الألمام الكافي بالألفاظ القانونية وطريقة صياغتها وبالتالي لا يمكن ان يتحسسو خفايا النصوص وخطورتها, وفي معرض نقاشي مع احد الأساتذة عن خطورة تقيد الحريات الوارد في هذا القانون في حال اقراره, طالبني بمسودة القانون للاطلاع عليها ومن ثم اخبرني بحسن نية, (لقد قرأت القانون ووجدت فقراته منطقية)!, هنا تملكني العجب, لذلك عزمت - وعلى قدر قابليتي- الخوض في هذه الدراسة مثبتاً عليها ملاحظاتي كلما وجدت ضرورة لذلك.
وفي البداية لابد من توضيح المفاهيم الأشكالية بصورة عامة, كالنظام العام والآداب. لقد ورد مصطلح النظام والآداب العامة في مواضع كثيرة في القوانين العراقية, بما فيها المادة (38) من الدستور العراقي, ولم يُعَّرف المشرع العراقي النظام العام وإن اورد أمثلة عليه في المادة 130/2 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951المعدل, حيث نصت القفرة الثانية من المادة اعلاه, (ويعتبر من النظام العام بوجه خاص الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية كالأهلية والميراث والأحكام المتعلقة بالأنتقال والإجراءات اللازمة للتصرف في الوقف وفي العقار والتصرف في مال المحجور وسائر القوانين التي تصدر لحاجة المستهلكين في الظروف الأستثنائية), والمقصود بكون هذه الامور من النظام العام اي يقع باطلاً كل اتفاق على مايخالفها, لتعلقها بمصالح المجتمع العليا.
اما تعريف النظام العام فقد تركته القوانين العراقية ِلشُّراح القانون, لصعوبة حصرهُ في نص جامد لكون هذه المفهوم متغير بتغير الزمان, مختلف بأختلاف المجتمعات, وقد عرفهُ فقهاء القانون تعريفات كثيرة مختلفة من حيث الألفاظ قريبة من حيث المعنى, بأنه ( الكيان السياسي والاجتماعي والأقتصادي لدولة ما, بما يقوم عليه هذا الكيان من معتقدات سياسية تتعلق بالأمن والحرية والديمقراطية ومعتقدات تتعلق بالمساواة امام القانون واحترام افكار دينية اساسية معينة وكذلك العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص).
الآداب العامة كذلك, لم تتناولها القوانين بالتعريف, وقد عرفها فقيه القانون (السنهوري) بأنها (مجموعة من القواعد وجد الناس انفسهم ملزمين باتباعها طبقاً لناموس ادبي يسود علاقاتهم الاجتماعية, وهذا الناموس الأدبي وليد المعتقدات الموروثة والعادات المتأصلة, وماجرى به العرف وتواضع عليه الناس, وللدين اثر كبير في تكيفه). وقد ذَكرت القوانين العراقية الآداب العامة في اكثر النصوص التي ذكرت فيها النظام العام, كقيد مفروض على حرية الأرادة, واعتبرت ان المخالفة للنظام العام والآداب, تؤدي الى تحقق مسؤولية من نوع ما, حسب وجه المخالفة!.
من هنا تتضح خطورة هذا المفاهيم لكونها غير محددة بصورة تفصيلية بالقانون, وتضمينها في قانون المفروض فيه انه يحمي الحرية ويضمن سلامة ممارستها دون تحديد مقاصدها على وجه الدقة, يمكن ان يُحَّجِم الحرية اويقتلها قبل ان تُبصر النور, لأمكان التوسع في تفسيرها من قبل السلطة التنفيذية, دون ضابطه محددة. وسنُضّمِن نهاية هذه الدراسة قرار للمحكمة الاتحادية العليا يُعزز ما نزعمه.
ملاحظاتنا حول نصوص مشروع القانون:
اولا/ تنص الفقرة الثانية من المادة الاولى من القانون, (حق المعرفة: حق المواطن في الحصول على المعلومات التي يبتغيها من الجهات الرسمية وفق القانون وخاصةٍ المعلومات المتعلقة باعمالها ومضمون اي قرار او سياسة تخص الجمهور). هذا النص جيد ويقر بان للمواطن الحق في الحصول على المعلومات عن سياسة الحكومة التي تتعلق بمصالحهِ, ولكن عندما نذهب للمادة الثالثة بفقرتها الاولى نجد ان طريقة صياغة المادة جوزت (جعلت الامر جوازي) للوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة ولم تلزمها لإنشاء قاعدة بيانات مفتوحة ليتمكن الجمهور من الأطلاع على المعلومات التي تهمهُ, ولها (جوازي ايضا) نشر المعلومات عن سير اعمالها!. (راجع نصوص القانون منشورة على موقع مجلس النواب العراقي. وللعلم تمت قراءة مشروع القانون قراءة اولى في 20/10/2014).
السؤال, من سيلزم هذه الجهات بتمكين المواطن من الأطلاع على المعلومات التي تتعلق بعملها وهي في غالبيتها جهات خدمية يمس عملها صميم حياة المواطن؟, لا احد, ولاحتى القضاء لأن القضاء ملزم بتطبيق النص ولا مساغ للأجتهاد في مورد النص حسب المادة الثانية من القانون المدني!, لذلك فأن المادة الثالثة بفقرتها الأولى لاترتقي الى مستوى الحق في المعرفة الذي اقرت به المادة الاولى بفقرتها الثانية وتجعل منها مجرد مادة لذر الرماد في العيون!, لوجود قيد النظام العام والآداب العامة الذي اورده القانون على الحرية الذي يتيح للسلطات العامة الامتناع عن تزويد اي معلومات بحجة انها مخالفة للنظام العام والآداب العامة.
إذا أقررت بالحق, فيجب ان تضمن لمن يثبت له هذا الحق القواعد القانونية التي تكفل استعماله, وإلا فلا معنى له. قد يقول قائل ولكن هناك ضمانة اوردتها الفقرة الثانية من المادة الثالثة من المشروع والتي جعلت للمفوضية العليا لحقوق الانسان, اختصاص البت في شكاوى المواطنين من قرارات الادارة بحجب المعلومات عنهم, نقول ان هذه الفقرة لم تضع معيار دقيق لتحديد متى يكون طلب المواطن موافق للقانون ومتى لا يكون, وبامكان رفض الكثير من الطلبات بحجة عدم موافقتها للقانون, فمشكلة هذا المشروع في انه يتبنى معايير مطاطية, غير محددة, كما سنرى.
ثانيا/ اذا فهِمنا ماجاءت به المادة السابعة/اولاً, بأنه, من الواجب ان يحصل كل تجمع كبير على اذن مسبق من السلطات العامة لغرض حماية الأمن العام وأمن المظاهرة او التجمع بالدرجة الاساس في ظل التهديدات الارهابية التي يواجهها البلد, ولكن, مامعنى تقيدها بالحصول على اذن مسبق من رئيس الوحدة الادارية قبل (5) ايام؟, وماهو الداعي من اشتراط هذه المدة الطويلة, في مواجهة تجمعات الغرض منها التنديد بأنحرافات السلطات التنفيذية في الغالب ؟, الا يثير ذلك الريبة بان السلطات تدبر للتجمعات او المظاهرات امر ما!, وهو افتراض سيكون اكثر وضوحاً إذا تتبعنا منطوق المادة (... على ان يتضمن طلب الأذن موضوع الاجتماع والغرض منه وزمان ومكان عقده واسماء اعضاء اللجنة المنظمة له)!, هل نتساءل؟, نعم, لماذا تريد السلطة التنفيذية ان تعرف اسماء المُنَظّمين؟, هل لتكريمهم مثلاً, اليست معرفة موضوع الاجتماع كافية للكشف عن مضمونه ومعرفة نوايا اعضاءه؟, وما هو الداعي القانوني من شخصنة تجمعات تُعبِر عن الرأي العام؟!.
ثالثا/ تؤكد المادة السابعة/ثانيا على اسماء المُنَظمين وجعلتهم (رئيس وعضوين في الأقل), واعتبرت انه في حال عدم تشكيل لجنة للتجمع حسب توصيف المادة, فانها تعد مشكلة من الاعضاء المثبتة اسماؤهم في طلب الحصول على اذن للتجمع وجعلت هذه اللجنة مسؤولة عن تنظيم الاجتماع والألتزام بالقانون والمحافظة على الاجتماع بالتنسيق مع الجهات المختصة!. وهذا تدخل صارخ في حرية التجمعات والتي غالباً ما تكون فكرة من مجموعة اشخاص يجمعهم هدف عام واحد, دون ان يكون هناك رئيس محدد للتجمع, فصياغة هذه المادة صياغة حزبية, شوفينية, ضيقة بعيده عن المفاهيم المتمدنة, تفترض وجود رئيس موجِه خلف كل تجمع, واصرار المادة على معرفة المنظمين للتجمع يقود الى هذا الفهم, كما ان تحميل هذه اللجنة المسؤولية عن تنظيم الاجتماع يعرضها للمسائلة عن اي خرق مُغرِض للتجمع ويفتح المجال لأجهاض اي تجمع, والعزوف عن اي اجتماع او تظاهرة في المستقبل!.
رابعاً/ تنص الفقرة الثالثة/سابعا ( اذا رفض رئيس الوحدة الادارية طلب عقد الاجتماع...), ولم تشترط بان يكون الرفض مسبباً كما جرى عليه العرف القانوني فالتسبيب هو عذر جهة الإدارة للناس, والسؤال, ماهي المعايير والاسباب التي يَرفُض على اساسها رئيس الوحدة الادارية طلب عقد اجتماع؟, لم تحددها المادة ايضا غيرما ذُكِر في المادة الثانية من المشروع, (الاخلال بالنظام العام والآداب) وهي معايير واسعة كما نعلم, يمكن ان تُدخِل فيها السلطة ماتشاء, وكان يجب تحديدها تفصيلياً بنص القانون, لا اطلاق يد رئيس الوحدة الادارية في القبول او الرفض كيفما يشاء!.
الأدهى, ان الفقرة الرابعة/ سابعا نصت على ان يبلغ قرار الرفض الى مُنَظّمي الاجتماع العام او الى احد مقدمي الطلب, قبل موعد ب(24) اربع وعشرين ساعة في الأقل ويجري التبليغ بالطرق المحددة قانوناً. علماً ان الفقرة الثالثة/سابعا المشار اليها آنِفاً, جعلت لرئيس اللجنة فقط ان يطعن بقرار الرفض امام محمكة البداءة المختصة وعليها ان تفصل فيه على وجه الأستعجال!.
لنفترض ان هناك امر طارئ او قضية رأي عام يرغب المواطنيين بالأجتماع او التظاهر بمناسبتها, ووفقاً لمشروع القانون -في حال اقراره- يجب ان يُقدم طلباً بذلك قبل خمسة ايام من موعد التظاهرة او التجمع ( الامر الطارئ في هذه الحالة يكون قد فقد جدواه بمضي المدة ), وينتظرون خمسة ايام ليبت رئيس الوحدة الأدارية في الطلب, ومن ثم يأتيهم الجواب بالرفض قبل نهاية الخمسة ايام باربع وعشرون ساعة من موعد التظاهرة او التجمع (حسب تعبير مشروع القانون), يتحتم عليهم في هذه الأربع والعشرون ساعة اللجوء الى محكمة البداءه للطعن في قرار رئيس الوحدة الادارية, السؤال, متى ستصدر محكمة البداءه قرارها بالطعن المقدم وليس امام التجمع او التظاهرة سوى اربع وعشرون ساعة ؟!.
اذا كان المقصود من الفقرة اعلاه سلوك الطريق القانوني الذي رسمته المادة (150) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969, رغم الأختلاف الكبير بين الموضوعين, الذي يشترط تبليغ الخصم بعريضة الطلب المستعجل قبل مدة اربع وعشرون ساعة في الاقل, فان هذه المادة تُلزم محكمة البداءه بان تصدر قرارها بشأن الطلب خلال مدة لاتتجاوز سبعة ايام!, فاذا تأكد ذلك القصد, فسيكون امام التجمع او التظاهرة اثنى عشر يوم للأنتظار قبل معرفة مصير الطلب!, ثم ان قرارت القضاء المستعجل ليس باته ولا نهائية ولا تمس اصل الحق ولا تحّوز قوة الشيء المقضي به, بل إن لمحكمة الموضوع ان لا تأخذ بقرارت القضاء المستعجل, بأستثناء حالات معينة, فهو قضاء لا نهائي ولا يمس اصل الحق. وهنا تظهر اشكالية جديدة هل ان قرار محكمة البداءة المستعجل الذي اشارت اليه المادة اعلاه بات؟, ليكون هذا المشروع قد جاء بقاعدة جديدة ليس لها سابقة في القانون العراقي!, لم تتناول الفقرة الرابعة كل تلك الامور بالتفصيل, بل تركت الامر على عواهِنه, ثم ان هذه الفقرة لم تحدد طريقة التبليغ ولم تُحيلها الى قانون معين!, فقد جرت العادة التشريعية على ان القانون اذا لم يتضمن قواعد اجرائية محددة فانه يحيل ذلك الى القانون الذي يتضمن الاجراءات الاقرب لروح القانون المُراد تشريعه, كأن يذكر مشروع القانون, يجري التبليغ على وفق الطرق المحددة في قانون المرافعات المدنية او قانون اصول المحاكمات الجزائية او غيرها!.
خامساً/ المادة العاشرة, اولاً ملاحظتنا من حيث الشكل, حيث تنص ( للمواطنين التظاهر سلمياً للتعبير عن ارائهم او المطالبة بحقوقهم التي كفلها لهم القانون...) عبارة (لهم) الواردة في متن النص زائدة ولامحل لها من بناءه. الأصل ان تكون النصوص القانونية منضبطه ومحدده, فمن القواعد التشريعية المتعارف عليها.
1- تجنب استخدام الكلمات الغامضة.
2- تنجنب استخدام الكلمات المثيرة للألتباس.
3- عدم استخدام الكلمات غير الضرورية.
4- استخدام الكلمات الواردة في القوانين ذات الصلة.
5- تَجنُب حشو النصوص. وغيرها وهذا مايمكن ان يُقال على الكثير من نصوص هذا المشروع.
سادساً/ تنص الفقرة الثانية/ عاشراً من مشروع القانون (لايجوز تنظيم التظاهرات قبل الساعة السابعة صباحاً او بعد الساعة العاشرة ليلاً)!.
في هذه الفقرة مانع قانوني مطلق من اقامة التظاهرات المستمرة او كما تسمى بالأعتصامات المفتوحة, وهذا سلب صريح لسلطة الشعب في التعبيرعن آراءه بالطريقة التي يراها مناسبة مادامت سلمية, من دون افتراضات مُسبقة.
سابعاً/ المادة الحادية عشر/اولاً, تعطي لسلطات الأمن حق استعمال القوة لتفريق المجتمعين او المتظاهرين اذا ادت التظاهرة او الاجتماع الى زعزعة الامن او الحاق الاضرار بالأشخاص او الممتلكات او الاموال. السؤال هنا, ماهو معيار الضرر الذي يتيح لسلطات الامن فض التظاهرات او التجمعات بالقوة؟, فالتعبير خطر جداً يتضمن شرعنت استعمال القوة !. فوقوف عدد كبير من الناس امام محل تجاري من دون قصد الشراء, يمكن ان يتضمن معنى إلحاق الضرر من الناحية القانونية, معيار الضرر غير دقيق وغير محدد ويمكن استغلاله بصورة كبيرة لتقيد الحريات ويجب تحديد هذا المعيار على وجه يتيح للمتظاهرين او المجتمعين معرفة الأمور الممنوعة بالقانون ليتجنبوها.
ثامناً/ المادة الثانية عشر من مشروع القانون جاءت بقيد جديد على الحقوق و الحريات العامة اطلقت عليه ( المصلحة العامة) بقولها ( لايجوز وضع القيود على الحريات والحقوق المنصوص عليها في هذا القانون الا بناء على مقتضيات المصلحة العامة او مايخل بالنظام العام او الآداب العامة), القيد جديد وغير محدد يمكن ان يستوعب جميع حالات تقيد الحريات التي تفرضها السلطات التنفيذية, على الرغم من ان هذا القيد لم يرد في الدستور الذي هو القانون الاعلى والأسمى, لذلك تكون هذه العبارة بالنص الذي يتضمنها, غير دستورية لمخالفتها للمادة (46) من الدستور العراقي لعام 2005 بنصها (لايكون تقيد ممارسة اي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور او تحديدها الا بقانون او بناء عليه على ان لايمس ذلك التحديد او التقيد جوهر الحق او الحرية). فالنص الدستوري واضح ويَمنع اي تقيد لجوهر الحق او الحرية, ولايجوز تشريع اي قانون يتعارض مع النص الدستوري ويعد باطلا كل تشريع عادي او فرعي يتعارض مع النصوص الدستورية.
تاسعاً/ المادة الثالثة عشر/اولاً, من مشروع القانون, جاءت بعقوبة صارمة وهي عشر سنوات لمفاهيم اوردتها المادة دون ان تحددها على وجه الحصر, مع ان النصوص العقابية درجت على تسمية الأفعال المجرمة على وجه التحديد وعقوبة كل فعل على وجه الدقة او تضمين النص مايمسى بنظام العقوبات بين حدين (اعلى وادنى) وتدع للقضاء تحديد العقوبة المناسبة للجريمة بين هذين الحدين حسب ظروف كل حالة, من دون ترك اي مساحة للقضاء في تجريم افعال غير مذكورة في متن القانون عن طريق القياس او غيره, لخطورة اثرها على الحريات, وعدم فتح المجال للاهواء الشخصية للتحكم في ذلك. جديراً بالذكر ان المادة الرابعة عشر من مشروع القانون نصت على ان يطبق قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 على كل مالم يرد فيه نص خاص في هذا القانون, وهذا النص كافي لوئد حرية التعبير بكافة اشكالها!.
على مشترعين هذا الشعب ان يعّو إن :-
1- ديمقراطية الأسلوب, تدعم الأستقرار التشريعي.
الصياغة التشريعية الجيدة, تكون واضحة ومؤدية للغرض الذي وضعت من اجله ومعبرة عن الواقع الاجتماعي ومايُراد تكريسه من مفاهيم في المجتمع, ولاتُثير مشاكل عند التطبيق, فالصياغة المُستقرة هي التي يفهمها الامي والمثقف في المجتمع.
2- ديمقراطية الأسلوب, تدعم الشفافية.
من المهم ان يكون القانون مكتوباً بلغة بسيطة قريبة من لغة تخاطب الشخص العادي ومُحكم الصياغة في نفس الوقت, وهذا ماتفتقر اليه الكثير من نصوص مشروع القانون اعلاه.
تفسير المحكمة الأتحادية العليا للنظام والأدآب العامة:
بقي ان نتناول قراراً للمحكمة الاتحادية العالية وهو القرار ذي العدد 63/اتحادية/2012 والمؤرخ في 11/ 10/ 2012 بمناسبة طلب مقدم من احد اعضاء البرلمان طالباً من المحكمة الاتحادية العُليا تحديد المفهوم القانوني الدقيق لمصطلح للنظام العام والآداب العامة, وسنذكر ماهو مهم من القرار.
الطلب/
ورد الى المحكمة الاتحادية العليا كتاب مجلس النواب العراقي ...... ويتضمن مايأتي.
انه في اثناء ادائنا لدورنا الرقابي على الجهات التنفيذية وفق المادة (61) من الدستور العراقي وقفنا على احد الاشكاليات التي يتعذر بها العديد من المؤسسات التنفيذية في الحكومة العراقية فيما يخص التفسير القانوني والمحدد والدقيق لبعض النصوص الدستورية وكذلك الأقوال والافعال التي تنطبق عليها تلك النصوص الدستورية في كونها تمثل خرقاً واخلالاً دستورياً من خلال منافاتها واخلالها بالنظام العام او الاداب العامة ونخص بالذكر النصوص الدستورية التالية:
اولا: ماورد في المادة (17) الفقرة اولاً: لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الاخرين, والآداب العامة .
ثانيا: ماورد في المادة (38): تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والأدآب.
والأستفسار هو:
1- ماهو تفسير النص الدستوري في المادة (17)/الفقرة اولاً وبالخصوص عبارة (والأدآب العامة).
2- ماهو تفسير النص الدستوري الوارد في المادة (38)/وبالتحديد عبارة( والأدآب العامة).
3- تسمية الافعال والاقوال التي تمثل اخلالأً بالنظام العام والأدآب العامة والأدآب الواردة في اولاً وثانياً والمادتين الدستوريتين في اعلاه.
القرار/
ان مفهوم (النظام العام) ومفهوم (الآداب العامة) الوارد ذكرهما في الدستور وفي القوانين فكرة عامة تحددها في كثير من المواضع النصوص القانونية ومنها ماورد في القانون المدني اذ تعتبر التصرفات في تركة انسان على قيد الحياة محظورة وتعتبر ذلك من النظام العام ولا يجوز مخالفتها, كذلك تنازل الموظف العام عن وظيفته لأحد الافراد محظوراً ويعتبر ذلك الحظر من النظام العام. ومايقال عن (النظام العام) يصدق على (الآداب العامة) فهناك نصوص في القوانين تقضي بان العقود التي ترد على الأتجار بالجنس مخالفة للأدآب العامة ولا يعتد قانوناً بمثل هذه العقود.
واذا ما أريد معرفة ماذا كان التصرف مخالفاً (للنظام العام) او (الآداب العامة) فيلزم الرجوع الى التشريعات كافة لمعرفة ما اذا كان ذلك التصرف محظوراً بنص من عدمه. فإذا لم يوجد نص فيقتضي الامر الرجوع الى القضاء فهو الذي يقرر ما إذا كان التصرف مخالفاً للنظام العام او الآداب العامة, وذلك في ضوء القواعد المجتمعية التي توافق عليها افراد المجتمع في زمان ومكان معينين, لان مفاهيم النظام العام والآداب العامة تختلف زماناً ومكاناً. وصدر القرار بالأتفاق 11/10/2012. انتهى قرار المحكمة الأتحادية.
هذا القرار مهم من ناحيتين:
الأولى, جهة تقديم الطلب:
طلب تفسير مفهوميّ النظام والآداب العامة مقدم من نائب برلماني يتمتع بصلاحيات دستورية تمكنه من مراقبة عمل السلطات التنفيذية ومع ذلك فان هذه السلطات تتعذر عن تسهيل عمله بحجة ان ذلك يُخل بالنظام العام والآداب. فإذا كان من اناط به الدستور سلطة مراقبة عمل السلطات التنفيذيه, يمكن الأحتجاج في مواجهتهُ بالنظام العام والأداب, فكيف بالمواطن الذي يخرج في تظاهرة للتعبير عن رأيه او يذهب الى تجمع مدفوعاً بِهَمّ عام, وهو لايتمتع بأي حصانة ضد تعسف السلطات المتسلحة بقانون يمكن ان يُدينه اكثر مما يوفر له حرية التعبير عن رأيه ؟!.
والثانية, إقرار المحكمة الأتحادية العليا بأن النظام والآداب العامة مفاهيم عامة غير محددة:
ويترتب على ذلك, وجوب حصر هذه المفاهيم العامة اذا ذُكِرت في التشريعات على وجه الدقة. فالدستور يتضمن المبادئ العامة ويجب ان يتضمن التشريع العادي ( الذي يصدر عن مجلس النواب) او التشريع الفرعي ( الذي يصدر عن السلطة التنفيذية) تفصيل هذا المبادئ دون ان يخرج عنها وإلا كان القانون باطل لا ينتج اثر. في حين ان مشروع قانون حرية التعبير لم يتضمن اي تفصيل!.
ويتضح من الامثلة التي اوردتها المحكمة الاتحادية التزامها الصارم بالمادة الثانية من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 التي تنص: (لا مساغ للأجتهاد في مورد النص) فهي لم تاتي بمفهوم تفصيلي بسوقها لهذه الامثلة التي يعرفها كل دارس للقانون, لأن النص يفرض عليها ذلك, ثم تأتي بمعيار لمعرفة فقط ما اذا كان العمل او التصرف مخالفاً للنظام العام والآداب من عدمه دون تحديد مفاهيمهماً, وذلك بالرجوع الى المنظومة التشريعية العراقية بمعناها الواسع, فإذا لم يوجد نص, فيقتضي الرجوع للقضاء ليقرر ما إذا كان التصرف مخالفاً للنظام العام والآداب بأعتبار ان القضاء له الولاية العامة على جميع الأشخاص الطبيعية والمعنوية العامة والخاصة الا ما استثني منها بنص خاص, بموجب المادة الثالثة من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل, كل ذلك في ظل مراعاة المفاهيم المجتمعية التي يوافق عليها افراد المجتمع في زمان ومكان معينين, علماً ان الأحكام والقرارات التي تصدرها المحكمة الاتحادية العليا باتة, بموجب الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005.
الشيء الذي احببتهُ في مشروع القانون, انه كفيل بجعل المواطن باحث متمرس في كل القوانين النافذة ومعقب ينتقل من دائرة الى اخرى و محامي يترافع في المحاكم قبل ان يعرف, هل ان عمله مخالف للنظام والآداب العامة ام لا؟!, علماً ان مشروع القانون قد تم تقديمه للبرلمان بشكل مشترك بين لجنتي الأمن والدفاع وحقوق الانسان, ومشاركة لجنة الامن والدفاع يجعل القانون مرتبط بأمن الدولة وهذا كافي لأثارة القلق حوله ومعرفة سبب صياغة نصوصه بهذه الطريقة!.
إن صياغة مواد القانون توحي بأنه وضع لحماية نظام يرأسه شخص واحد مدى الحياة, وليس لدولة ينص دستورها: نظام الحكم جمهوري, نيابي, برلماني, ديمقراطي, وهنا موضع العجب!.
هذا القانون خطر ومَعيب حتى في نصوصه التي لم نتناولها, ويمكن ان يقودك الى السجن من دون ان تعلم المخالفة التي اقترفتها على وجه الدقة, اذا علمت ان اسبابه الموجِبه تنص على انه شُرع لمعاقبة المخالفين!!!.
مقالات اخرى للكاتب