المتتبع لتطور الفكر العراقي في القرنين السابقين يجد ان هناك ضياع في ذلك الفكر رغم ما يحمله من مقدرات الابداع ، هذا الضياع والتشتت ناتج عن عدم الاستقرار السياسي ومردوداته الاقتصادية القاسية على الفرد العراقي ، ولد ذلك فقدان الاستقرار بسبب غياب القانون ، وبالرغم من المحاولات الخجولة هنا وهناك ، وخصوصا بعد ولادة الدولة العراقية الحديثة في اب عام 1921م ، لكن لم تستطع الدولة نسخ الولاء الشّائع "للقبيلة" بالولاء "للوطن" بسبب غرابة المفهوم "الوطني" لدى رجال القبائل والعشائر، وعدم ثقتهم برجال الدولة. وكانت لديهم الرؤية نفسها إلى المؤسّسات والآليّات الحديثة للدولة. وعندما نشأت المدن العراقية الجديدة، كالرمادي والعزيزية والنعمانية والعمارة والناصرية، على نهري دجلة والفرات، منذ منتصف القرن التاسع عشر فصاعداً، بدأت القبائل العراقية الزّحف إلى هذه المدن وترك مناطقها القبلية في الريف والبادية، وهذا الزّحف لم يقصد إلى المدن الجديدة فقط بل والقديمة أيضاً. ويرى الباحثون أنّ رجال القبائل زحفوا بأعداد ضخمة على المدن العراقية مع بدايات تشكّل العراق الحديث. ومع أنّ الهيكل التنظيمي للقبيلة قد تلاشى مفعوله حتى كاد أن يختفي في المدينة. إلاّ أنّ العادات والمواقف القبلية كانت ذات تأثير ملموس في المدينة، وفي الحياة السياسيّة بقي الارتباط بالعائلة والقبيلة أكثر قوّةً من الولاء للوطن. ومع أنّ الملامح الوطنية بدأت تنتشر في العراق نتيجة استقرار الدولة والتبادل المنفعي والخدمي بين الأفراد والحكومة، إلاّ أنّ الأحوال التي مرّت بها البلاد، علاوة على عدم تأصّل هذا المفهوم وتجذّره، ساهمت في الانتكاسة التي تعرّض لها مفهوم الوطنية. وكما يؤكّد شرابي فإنّ استمرار الولاء للعشيرة أو الطائفة في المجتمع الحديث سببه عدم قدرة المجتمع الحديث على إنتاج "بنى أصيلة بديلة. ولذا تبْقى صلةُ القربى والتجاذب الديني الخلفية الأساسية للولاء والتحالف، أجذل من أيّ عقيدة مجردة.