
في مثل هذه الأيام التي تسبق الانتخابات التشريعية في البلد , تكثر تصريحات الساسة وتكثر معها وعودهم وتعهداتهم التي تصل حد الهذيان , فمنهم من يظهر وكأنّه نصيرا للفقراء والمساكين , ومنهم من يظهر وكأنّه نصيرا للمرأة وحقوقها , ومنهم من يتباكى على اليتامى والأرامل , ومنهم من يتباكى على على أموال العراقيين الضائعة والمهدورة ويقود حملة حقنا , ومنهم من يسكن القنوات الفضائية بحجة كشف ملفات الفساد الذي يلتهم أموال الشعب العراقي , ومنهم من هو مشغول بحملة صوّرني وانا ما أدري , فكل منهم يغني على ليلاه .
واليوم أريد أن أورد للقارئ الكريم نموذجين لهذا الهذيان السياسي , النموذج الأول هو التصريح الذي أدلى به السيد رئيس مجلس النوّاب أسامة النجيفي , ففي بيان صادر عن رئيس المجلس بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة , حيث طالب السيد النجيفي بمنح المرأة العراقية الكوتا في السلطة التنفيذية أسوة بحصتها الدستورية في مجلس النوّاب , وبطبيعة الحال فإنّ السيد النجيفي يدرك تماما أنّ مطالبته بهذه الكوتا لا تعدو أكثر من كونها هواء في شبك , فكوتا المرأة في مجلس النوّاب قد ضمنها الدستور العراقي , لكن لا أحد يدري من الذي سيضمن كوتا المرأة في السلطة التنفيذية ؟ ولو كان السيد النجيفي حريصا فعلا على مشاركة المرأة في القرار السياسي ومؤمنا بحقها في إدارة مفاصل الدولة , لبادر هو شخصيا بترشيح أحد النساء الكفوءات لإحدى الوزارات من حصة كتلته ؟ وأنا واثق أنّ البلد يعجّ بالعشرات من الكفاءات النسوية العراقية في كافة المجالات والاختصاصات , وحسبك نموذجا أبنة العراق وفخره زهى محمد حديد , لكنّ السيد النجيفي كغيره من ساسة العراق الجديد يعتقد أنّ العراقيين سذّجا ويمكن الضحك عليهم بسهولة بهذه التصريحات والوعود الفارغة .
والنموذج الثاني لهذا الهذيان السياسي , هو التعهد الذي قطعه رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي على نفسه ببناء دور سكنية لذوي الدخل المحدود , حيث نقل بيان لمكتب رئيس الوزراء عن عزم حكومة المالكي على إيجاد مأوى للفقراء , لا سيّما مع الطاقات والامكانات الكبيرة التي يملكها العراق والتي تتيح له تلبية جميع متطلبات المواطنين خصوصا ذوي الدخل المحدود , مبينا أنّ العشوائيات التي يعيش فيها العديد من أبناء البلد والظروف الصعبة التي تكتنفهم , دفعتنا إلى القول كفى إذلالا للمواطن الذي يريد السكن .
والعجيب في هذا الأمر أنّ الذي يقول كفى إذلالا للمواطن الذي يريد السكن , هو رئيس مجلس الوزراء والمسؤول التنفيذي الأول في الدولة العراقية والمسؤول عن رسم وتنفيذ السياسات العامة للدولة , ولا أحد يدري من هو المخاطب بهذا الخطاب ؟ فمجلس الوزراء هو الذي يضع الموازنة العامة للبلد , وهو الذي ينّفذ فقرات هذه الموازنة , ولو كان السيد رئيس الوزراء حريصا فعلا كما يدّعي , على الفقراء وساكني العشوائيات , لوضع هذا الهدف في برامج الحكومة منذ اليوم الأول الذي تسّلم فيه مقاليد السلطة في العراق , وليس بعد مرور دورتين انتخابيتين وثمان سنوات من الفساد والضياع لأموال البلد , فكيف سيصدّق هؤلاء الفقراء والمساكين وساكني هذه العشوائيات هذه الوعود وثمان سنوات قد مرّت ولم تبنى لهم طابوقة واحدة ؟ , وكيف سينسى هؤلاء الفقراء والمساكين الوعود التي قطعها رئيس الوزراء في دورته الأولى والثانية والتي لم تنّفذ بالكامل ؟ , وكيف سيركنوا لهذه التعهدات وهو يرون الفساد والنهب للمال العام بأم أعينهم ؟ .
والله الذي لا إله إلا هو , الشعب الذي يصدّق هذه الوعود والتعهدات التي يطلقها هؤلاء الساسة الفاسدون , شعب لا يستّحق الحياة .