لقاء مع السينمائي والكاتب العراقي قاسم حول.... حاوره خليل الطيار
السبت, آذار 2, 2013
• بالثقافة والثقافة بشكل أساس تنتج الأفلام ولكن .. لا تتأسس السينما • الثقافىة ليست نشاطا أنما هي موقف من الحياة. • افلام الشباب ستنتج جيلا واعيا لمسؤولية السينما في عملية بناء الانسان • الشعوب التي تحتاج إلى أبطال بالمعنى البدوي للبطولة فهي شعوب مسكينة. البطولة تكمن فقط في الأبداع؟ • ينبغي الكف عن كتابة التاريخ بطريقة التمثيلية التلفزيونية. • الفضائيات هي اليوم مليشيات أكثر من كونها وسائل إتصال إعلامية وثقافية. • التاريخ سيحكم بإنصاف على من عرقل انتاج فلم سينمائي يسمو بقضية الامام الحسين(ع)
،، منذ ان تشكلت بوادرها الاولى في خمسينيات القرن الماضي، ظلت السينما العراقية تتارجح في عطائها بين عنوانها كوسيلة اعلامية جادة تسهم في عملية اثراء ثقافة الفرد العراقي وبين محاولات سلطة النظام السابق لجعلها واجهة تعبوية تروج لنظامه وحروبه وسياسته الهوجاء وبين المسحة التجارية التي حاول خلالها بعض السينمائيين استغلال افتقار القوانين والمنهجية العلمية فأنشغلوا لصناعة موجة افلام هابطة ادارت ظهرها للسينما كقيمة معرفية وركزت على ربح شباك التذاكر، و بين هذه المتاهات والاشكاليات ، تعطلت ماكنة السينما العراقية وفقدت هويتها وتبعثرت جهود القائمين عليها بسبب افتقار القوانين والبرامج القادرة على اسثثمارها استثمارا ثقافيا يسهم في بناء الانسان العراقي ، رغم الجهود والمحاولات التي يقدمها بعض السينمائيين من الرواد والشباب الذين ساعدت نتاجاتهم على تقديم سينما عراقية جادة كان لها حضور فاعل في الساحة الدولية ، ومن هؤلاء الكاتب والمخرج السينمائي المغترب قاسم حول ، استثمرنا وجوده في العراق للحديث عن واقع السينما العراقية وافاق تطورها ،،
كيف تقسم مراحل تطورك السينمائي؟-
يمكن أن أسمي المرحلة الأولى مرحلة العشق الرومانسي. فجأة وجدت نفسي في بيت المطربة أحلام وهبي حيث طلب مني منتج سينمائي أن أصور له أعلانا عن أحمر الشفاه بعد أن كان يقرأ لي النقد السينمائي في الصحف. كتبت ذلك في مذكراتي السينمائية التي ستصدر في كتاب ""حكايات سينمائية". لم أكن أعرف أين أضع الكاميرا يومها وما هي العدسة المناسبة كي ألتقط صورة أحلام وهبي في ألمرآة وهي تضع أحمر الشفاه على شفتيها. عندما تخرجت من معهد الفنون وكتبت قصة فيلم الحارس لم يكن بمقدوري إخراج الفيلم فإتفقنا مع المخرج خليل شوقي وكان يعمل في التلفزيون أن يخرج لنا الفيلم وقبلت أن أمثل فيه دور الرسام. مع خليل شوقي وإبراهيم جلال الذي أخترناه مديرا فنيا للفيلم وهو أستاذنا في معهد الفنون توطدت علاقتي بالكاميرا في شوارع الكريمات. نجح فيلم الحارس نجاحا منقطع النظير وكان أول فيلم يحوز على جائزة من مهرجان دولي. إعتقلتني السلطة الفاشية عندما جاءت العراق في 17 تموز 1968 وبدلا من ألتكريم على فوزنا بالجائزة أطفأوا سكائرهم في أذني! ذهبت إلى لبنان. عولجت هناك على نفقة المقاومة الفلسطينية وهناك بدأت مرحلة المقاومة الفلسطينية وسينما المقاومة الفلسطينية الفقيرة. بدأت إنتج الأفلام بعد أن أنشات قسما للسينما في بيروت وبدأت أعمل في ستوديو بعلبك في منطقة "سن الفيل" أحمض أفلامي وأمنتجها هناك. كان في الستوديو مسؤول المختبر وهو التقني الفلسطيني "داود ألبينا" ، كنت أجلس معه ونعمل على تصحيح الألوان وأتعلم التحميض. وتعرفت على مهندس الصوت "إسكندر شهوان" دهمتنا الحرب الأهلية اللبنانية وأصبح ستوديو بعلبك ومنطقة سن الفيل من حصة الكتائب اللبنانية، فصرت أذهب إلى إيطاليا لتحميض الأفلام التي أنتجها وبدأت أعمل في ستوديو "ميكروستامبا" في روما. مرحلة المقاومة الفلسطينية مرحلة صعبة ولكنها لذيذة. لا نعرف متى نموت لنتحول إلى ملصق على جدران بيوت المخيمات. تعلمنا الشجاعة والصبر والمواجهة. كنا نظن بأننا سوف نغيرالعالم من الظلم، ظلم العتاة . عرفنا بشكل متأخر أن معادلة التغيير ليست رهينة أرادتنا. هي إرادة مصممة لا علاقة لنا بها. هم فقط يكشفون نوايانا ضدهم ثم يتخلصون منا. صرت أعيش بدون جواز سفر فمنحتني اليمن الديمقراطية السابقة جواز سفر يمني مؤقت. أصدرت عنه كتاب يحمل عنوان "مذكرات جواز سفر" تحدثت فيه عن معاناة جواز سفري بسببي! عندما بدأت أربح الجوائز العالمية وعندما تقرر تأسيس أتحاد السينمائيين التسجيليين العرب وتيقنوا من أهمية تواجدي في تأسيس وقيادة الأتحاد أتصلت السلطة بالمقاومة الفلسطينية طالبين إقناعي بزيارة العراق وجاءني وفد يتفاوض معي للمشاركة في المؤتمر التأسيسي بضمانات العودة إلى لبنان بعد أن ننهي تأسيس أتحاد السينمائيين التسجيليين العرب" متى أشاء. وبضمانة فلسطينية من القيادة الفلسطينية جئت إلى العراق. وتم تأسيس الأتحاد. أخرجت خلال تواجدي في العراق فيلم "الأهوار" وفيلم "بيوت في ذلك الزقاق" غادرت العراق بعد أن طلبوا مني حذف مشاهد من الفيلم ورفضت لقاء الدكتاتور للمساومة على الفيلم مقابل الإغراءات المعروفة. لم يشعروا وهم ينتظرونني للقاء الدكتاتور سوى أن بغداد ليس فيها قاسم حول فأصبحت في ليبيا ثم روما ثم بيروت ولاحقوني في كل مكان. حاولوا جهدا أن أعود لأقع في المصيدة وعبثا حاولوا فكلفوا محمد شكري جميل بحذف مشهد من فيلمي وأخراج مشهد وإدخاله في الفيلم. شاهدته يوما في روما قلت له . حسنا لأفترض أنهم أجبروك على أن تعبث في فيلمي بيوت في ذلك الزقاق. كان عليك أن تعمل مشهدا متقن الصنع حتى وأن كان سيء الفكرة فلماذا شوهت فيلمي أولا ولماذا لم تتقن التشويه. عدت إلى بيروت وأخرجت أول فيلم روائي للمقاومة الفلسطينية وهو فيلم "عائد إلى حيفا" وعدد من الأفلام الوثائقية التي حاز بعضها على جوائز ذهبية وفضية. كنت أكاد أن اكون مهووسا بالموت فكنت أواجه الإسرائيليين بالكاميرا وعندما فرغت مدينة صور وليس فيها سوى بضعة مقاتلين ويطوقها الأسرائيليون دخلتها وصورتها خالية. الآن عندما أكتب مذكراتي وأعود اندهش كيف أني لا أزال على قيد الحياة! وانا أكتب في مذكراتي أندهش ايضا عن قدرة بعض الأشخاص العاملين في المجال السينمائي على أن يأخذوا شكل الحرباء التي تتخذ من كل الألوان لونا لبشرتها. يعودون وكأنهم لم يفعلوا شيئا لصالح النظام السابق يتحدثون معنا فيما نحن ضحايا ولكننا ضحايا طيبين! عشت في اليونان سنوات بعد أن دخل الأسرائيليون بيروت وأخذوا منا كل شيء. ثم طردوا كل العرب من اليونان ومن بينهم انا بعد حرب الخليج ولم يفهم اليونانيون بأننا أساسا ضد الدكتاتور لكنهم رفضوا أقامتنا في بلادهم .فذهبت إلى هولندا طالبا اللجوء السياسي. وحصلت على الجنسية الهولندية ولكني جئت اليوم الى العراق لإستعادة جنسيتي العراقية. تفاصيل الحكاية السينمائية مدونة كلها في مذكراتي حيث أعمل على طبع ستة مجلدات عن السينما والرواية والقصة والمسرحية. سامح الله الزمن. كان يمكن أن أطور شركتي السينمائية "مؤسسة أفلام اليوم" لكنا اليوم مؤسسة عملاقة ذات شأن في عالم الثقافة السينمائية. كيف تنظر إلى السينمائيين والسينما في الحقبة الدكتاتورية. لابد من القول أن الدكتاتورية أدركت أهمية السينما في حياتها الفاشية، فهي أنشأت قاعدة مادية للإنتاج السينمائي ولكنها تريد أدلجة السينما لصالح فكرها الشمولي والفاشي. والثقافة لا تؤدلج. لقد فشلت سياسة الإتحاد السوفيتي الثقافية لأنها تأدلجت. الثقافة لا تنمو سوى مع هوامش الحرية. صحيح لا توجد ديمقراطية في العالم على الإطلاق في كل بلدان العالم فالديمقراطية ليست سوى حلم أغريقي جميل. هناك هوامش نسبية من الحرية. عدد من السينمائيين لم ترق لهم فترة الدكتاتورية وخاصة عندما أصبحت في قبضة شخص واحد ملتبس ومعقد ومعتوه فهاجرت تلك الفئة المثقفة وهاجر عدد من السينمائيين وأنا بينهم وبقي عدد من السينمائيين لم تكن ظروفهم تسمح لهم بالهجرة فعاشوا على الهامش من أجل العيش ولكن هناك شخصيات إنتهازية نفعية وجاهلة وأمية ساومت الدكتاتورية بطريقة شنيعة جدا حتى لاحقونا للمهرجانات السينمائية لإيذائنا. فمثلا جاء أحدهم مع مدير مؤسسة السينما العراقية وسحبوا فيلمي الأهوار من المسابقة وكانت لفيلمي فرصة جائزة كبرى فحرمت منها وهذا ما قاله بعد حين السيد تريش مدير مهرجان لايبزغ، ثم عندما رشحت عضوا في لجنة تحكيم المهرجان إعترضت السلطة الفاشية على المانيا الديمقراطية وتمكنوا من أبعادي بسبب العلاقة السياسية بين الدكتاتورية والحكومة الشيوعية وأضحك اليوم وانا أرى ذلك الشخص يصيح أكشن باهتة لا يزال في أروقة السينما .. أكشن هي لفظة سهلة يستطيع أن يقولها إبن الشارع الذي لم ير فيلما في حياته! دعنا نتحدث عن الخير .. نتحدث عن سينما يجب أن يأخذها الشباب ويعاركون من اجلها. هم لهم الحق في الأبداع . عندهم أحلام جميلة مثل ما كانت لنا تلك الأحلام، مثل ما كانت لي تلك الأحلام. دعنا ندخل في الرؤية الحلوة للحياة عسى نستطيع أن نرى بارقة أمل ونافذة خير في وطننا ونقول والله سياتي جيل بعدنا قادر على أن يحمل الكاميرا ويبدع فأقول لهؤلاء . أن العملية الإخراجية ليست عملية تقنية. التقنية سهلة جدا. بزمن شهر واحد تتعلم عليها وتطور تعليمك ولكن بدون ثقافة لا توجد سينما. بدون ثقافة لا يوجد مخرج. فالعملية الإخراجية ليست عملية تقنية. المخرج الأمريكي الأرمني الأصل "إيليا كازان" صاحب أجمل الأفلام. بقي فترة طويلة لا يعرف زاوية الكاميرا ولا يعرف عدسة السينما وكان يساعده مدير التصوير ولكن إيليا كازان خزين ثقافة مسرحية وثقافة موسيقية وثقافة فلسفية وثقافة أدب. بازوليني أيضا معلموماته التقنية قليلة جدا ولكن خزينه الثقافي مهم. وللمناسبة فأنا الذي ساعدته في الوصول لليمن واخترت له مدينة حضرموت ليصور فيها فيلمه "الف ليلة وليلة" وساعدته بكومبارس الجواري من اليمنين واليمنيات من أصول صومالية. وطلبت له الموافقة من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الثقافة عبد الله باذيب وكنت أدرس شباب اليمن وأنجز للدولة اليمنية قوانين الثقافة وأبني لهم مؤسساتهم الثقافية وأدرب شبابهم على التصوير وكتابة السيناريو فكانوا يستجيبون لطلباتي وكنت أحمل جواز سفرهم فجواز سفري كما أسلفت من اليمن. بالثقافة والثقافة بشكل أساس تنتج الأفلام ولكن .. لا تتأسس السينما. السينما تتأسس عندما تكون لها قاعدة مادية للأنتاج. عندما تكون هناك مدينة للسينما. عندما يكون هناك قانون ثقافي وقانون سينمائي. عندما تكون هناك مؤسسة أرشيفية. عندما تكون هناك معدات تقنية عندما يكون هناك سينماتيك. أما أنتاج الأفلام فهي مسألة ذاتية تتعلق بقدرة الشخص على الإنجاز. في أحدى الدورات السينمائية التي أقمتها في لبنان طلبت من شباب الدورة أن يجلبوا لي من مخيم فلسطيني شاب لم يمسك كاميرا فوتوغرافية في حياته. فأتوا ومعهم ذلك الشاب وبدأت أعلمه على الكاميرا السينمائية. مفاتيحها ومخزن الفيلم والكيس الأسود وبعد أربعة أيام جلبت له فيلما وطلبت منه أن يضع الفيلم في مخزن الكاميرا داخل الكيس الأسود وبدأ يقوم بكل الخطوات التي تعلمها وأعطيته الكاميرا ومعه الطلاب وقلت لهم أذهبوا به إلى المخيم ودعوه يصور فيلما. صور ما مدته عشر دقائق وعاد وأرسلنا الفيلم للتظهير وطباعة نسخة من الفيلم وعرضناه على الشاشة. كان الفوكس صحيحا واضح الرؤية وحركة الكاميرا لا بأس بها فلا يوجد إرتجاج حتى لقطات الكتف كانت معقولة. أحيانا رؤوس أهل المخيم غير ظاهرة وأحيانا يدرك ذلك ويعدل اللقطة. كان هو نفسه مندهش وغير مصدق أنه صور فيلما سينمائيا. لكن هل يصبح هذا الشخص مصورا؟ أو هل يصبح سينمائيا؟ طبعا لا ولا يمكن لأن اول مقومات الصورة هي القيمة الجمالية المتمثلة بالتشكيل والتشكيل والضوء وبقية مفردات لغة السينما التعبيرية هي مسألة معقدة وحساسة ولا يمتلكها سوى المثقفين. فالسينما ثقافة ويبقى الإنسان يغرف من الثقافة ويصبها في السينما وهي التي تساعده على رؤية الواقع وتحليل الواقع عبر الكتابة السينمائية والرؤية الإخراجية. لذلك أنصح الشباب أن يقرأوا أن يقرأوا أن يقرأوا. وهذا لا يعني الإبتعاد عن التقنية. التقنية مهمة ولكنها ليست الأهم. الثقافة هي الأهم. اليوم امام الشباب عشاق السينما وعشاق العراق الذي أتمنى أن ينهض بما هو جدير به. اليوم صغر حجم المعدات السينمائية وتطورت نوعيتها ونوعية الصورة وصار بإمكان كل واحد أن ينشيء ستوديو في بيته ولكن مع هذه التقنية المتوفرة والرخيصة تسلحوا بالثقافة، فهي ممتعة أولا وتسهم في بناء الشخصية المتوازنة الشريفة والإنسانية وتؤكد الضمير الذي بدونه يعود الإنسان إلى الغابة. هنا أود أن أروي حادثة حصلت معي وأعتذر أني أرويها فأنا لست بطلا ولا أحب البلدان التي تحتاج إلى أبطال. الشعوب التي تحتاج إلى أبطال بالمعنى البدوي للبطولة فهي شعوب مسكينة. البطولة تكمن فقط في الأبداع؟ عندما أغمي علي وأنا في أقبية الأمن قرب القصر الأبيض. احسست بأن قطرات من الماء تنث على وجهي. فقت فشاهدت صبيا جميلا ينث الماء على وجهي ثم أعطاني جرعة منه. في اليوم التالي صارحني بأنهم يستدعونه كل ليلة ويغتصبونه أكثر من عشرة أشخاص يغتصبونه كل ليلة وليس له ذنب سوى أنه في إتحاد الطلبة. كان ثمة تاجر معتقل وله إمتيازات ليست لنا وكانت تأتيه الصحف. فطلبت منه صحيفة الجمهورية وأنا أتصفحها وفي الصفحة الأخيرة منها قرأت أخبار الفنانين وشاهدت صورهم وهم ينتجون الأفلام للدولة. شاهدت صور أولئك – هؤلاء! ونظرت إلى الصبي المغتصب فشعرت بأن الإغتصاب ليس وظيفة رجال أمن فحسب. الأغتصاب هي عملية كاملة تسهم فيها قوى ومؤسسات ويسهم فيها كتاب وأدباء ربما ورياضيون. حينها تأكد عندي موقفي في الحياة أن لا أهادن نظاما عسفيا مهما كان وفي أي زمان ومكان. وعرفت حينها أن الثقافىة ليست نشاطا أنما هي موقف من الحياة.
كيف تقيم النشاط السينمائي الجديد لمناسبة بغداد عاصمة الثقافة؟ ولماذا أنت ليس بينهم؟ - أنا لست بينهم ..؟ لا أدري. أنا لي تاريخ بالتأكيد وأحبه ولو ساهمت لما قدمت عملا أي كلام. لقد أطلعت على أحد السيناريوهات المقدمة وصراحة أصبت بالخيبة. أولا اخوتي في مؤسسة السينما يبذلون جهودا أكيدة وبنوايا حسنة لعمل شيء للسينما العراقية ولكن لنتذكر جميعا "إن الطريق إلى جهنم مفروش أحيانا بالنوايا الحسنة!". وأخي الدكتور شفيق المهدي وكل طاقم الأدارة السينمائي يعشقون السينما ويحبون العراق ويحبون الثقافة. هذا شيء مؤكد ولكن كنت أتمنى أن تأخذ الأفلام منحى ثقافيا. صحيح أن السينما بحد ذاتها هي ثقافة ولكن كنت اتمنى أن تأخذ الثقافة حيزها في العملية السينمائية المتعلقة ببغداد عاصمة الثقافة. أن تهتم الإنتاجات السينمائية لهذا العام بالعملية الثقافية ولكن يبدو ثمة سرعة في الإنتاج وفي إختيار الأفلام وإختيار المخرجين. كان ينبغي أن تتشكل لجنة سينمائية ذات مستوى رفيع من داخل مؤسسة السينما ومن خارجها لرسم سياسة الإنتاج السينمائي الثقافية لبغداد عاصمة الثقافة. ينبغي الكف عن كتابة التاريخ بطريقة التمثيلية التلفزيونية. يكفينا الرأس والمسألة الكبرى وشايف خير والقناص وما أشبه وتزييف الواقع والتاريخ وحمامات الدم وغيرها من الأفلام التي زيفت الواقع وزيفت وتزيف التاريخ. تكفينا الأفلام التي تشبه تمثيليات تلفزيونية إستهلاكية. السينما تبحث في الموضوعات التي تكشف الواقع الموضوعي أو يرحل المخرج والكاتب بمخيلته للعوالم الجميلة بلغة فنية تنعش عقل وعاطفة المتلقي. ها نحن أمام واقع مر وصعب والعراق لا يزال أرضا بكرا وواقعا بكرا يمكن أن تنتج عنه وفيه أعظم الأعمال السينمائية. نحن بحاجة إلى تخطيط مسبق. ينبغي أن يرسم كل شيء على الورق قبل التنفيذ والحرص في إختيار الموضوعات وأيضا في إختيار المخرجين! هناك سينمائيون حقيقيون موهوبون واجهوا الدكتاتورية بفروسية عالية وحرموا من فرص الأبداع هم لا يزالون محرومين من الفرصة .. هذا غير صحيح فيما ذات الأشخاص الذين إستفادوا من الدكتاتورية لا يزالون ينتجون وكأن شيئا لم يكن . هذا غير صحيح أيضا . الأولوية للمبدعين الحقيقيين والثقافة السينمائية لا تكون ثقافة بدون موقف وطني. أتمنى لمؤسسة السينما النجاح في مسارها ولأخي الدكتور شفيق المهدي أن يذهب إلى هدفه بأناقة فالدرب مليء بالألغام والأنتهازيون كثر ولكن ينبغي أن تكون الأفلام عن ثقافة بغداد والثقافة هي عالم واسع كمادة للإنتاج السينمائي. بعيدا عن بغداد عاصمة الثقافة .. كيف تقيم أفلام الشباب التي تعرض في المهرجانات السينمائية وخاصة الخليجية وتحصل على الجوائز.؟ الأفلام التي ينتجها الشباب وخريجو أكاديميات السينما في العراق هي أفلام مهمة وفعلا شاهدت بعضها وفيها مخيلات خصبة وجميلة وأفكار جريئة وأشكال فيها أحيانا جماليات عالية. وأغلبها مبادرات فردية بكاميرات ليست كاملة الحرفية. أغلبها ينقصها الصوت النظامي وهذا ينسحب على أغلب الأفلام المنتجة في العراق فلا يوجد تصميم للصوت ولا يوجد مونتاج للصوت. هذا عامل مفقود في الفيلم العراقي. لقد ترأست عام 2003 لجنة تحكيم لأفلام أكاديميات السينما في العالم في مهرجان "إتيودا في كراكوف ببولندا" التي يشرف عليها مخرجون أساتذة. وكنت وضعت نظاما صارما للتحكيم ورفضت أن تسبقنا لجنة إختيار الأفلام بل نحن نشاهد كل الأفلام ومع الجمهور ووفق نظام صارم وضعته انا للجنة التحكيم من أجل عدالة المحاكمة السينمائية. وزارنا أساتذة المعاهد وكان المخرج البولوني الكبير "أندريه فايدا" بينهم. وزارنا في مكتبنا في لجنة التحكيم لكي نتعرف عليه وكانت كثير من الأفلام ذات قيمة فنية وجمالية عالية جدا. وأنا بصدد أبداء وجهات نظري بمستوى الأفلام والأفكار والأشكال الجديدة لتلك الأفلام أتذكر أنه قال "ليس دائما ستجد الأبداع بعد التخرج، لأن فيلم التخرج يخضع لخطوات أكاديمية قبل الإنتاج. فهناك من يبدع وهناك من يخفق منذ فلمه الأول" حتى نطور السينما في العراق ينبغي أولا بناء مدينة سينما في العراق وحتى ننعم بالهدوء علينا أن نضع قوانين للإعلام للتخلص من الفوضى الإعلامية القائمة في البلد. إن الفضائيات هي اليوم مليشيات أكثر من كونها وسائل إتصال إعلامية وثقافية. عندما ذكرت في حديثي هذا قصة الصبي الذي كانوا يغتصبونه كل ليلة في مديرية الأمن سيئة الصيت فعلى أبناء وطني وعلى المثقفين بالذات أن لا يسمحوا بعودة تلك الحقبة بوجوه جديدة. مصبوغة أو حربائية. إن الوطن يتسع للجميع . لجميع الشرفاء والشرفاء هم في كل الطوائف والفئات الثقافية بغض النظر عن إنتماءاتهم فالإنتماء للوطن هو المذهب وهو الطائفة وهو الحزب. وإذا كان الإعلام يتجه إلى سلوك مليشيات سياسية فإن الثقافة لا يمكنها إلا أن تكون أداة تعبير عن الواقع بعين واعية. أين أصبح حلمك التاريخي فيلم "الإمام الحسين" عليه السلام؟ - كان الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين جديرا بالحسين وبمشروع الفيلم التاريخي ولكن المفاجأة القاسية برحيله عطلت الحلم ولم أجد مثل شمس الدين رحمه الله من هو جدير بتبني هذا المشروع وهو أمر مؤسف حقا.
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
اخبار العراق اليوم تصلكم بكل وضوح بواسطة العراق تايمز