ماعاد مفاجئا على أسماع العراقيين، خبر إلقاء القبض على عصابة تقوم بخطف النساء او الاطفال، وأخرى بسرقة المحال والبيوت، وثالثة بالمتاجرة بالمخدرات، ورابعة ببيع الأعضاء البشرية، وخامسة بالتزوير والاحتيال، إذ أضحت هذه الأخبار تعتاش مع يومياتهم، حتى غدت المواد القانونية المنصوص عليها في قانون العقوبات الجزائية، معلومة ومفهومة بتفاصيلها وأرقامها لدى المواطنين من عامة الناس. إذ هم يطلقون الرقم 56 على من يرون فيه سمة التحايل وابتداع الـ (كلاوات) إشارة منهم الى المادة/ 56 من قانون العقوبات الجزائية فيما يخص جريمة النصب والاحتيال. أما المادة 4/ إرهاب فهي الأقرب إلى ألسنتهم، ذلك أن الإرهاب هو الأقرب إلى حياتهم ويتعايشون معه من صباحات أيامهم حتى مساءاتها. ويسري هذا الحكم على باقي الجرائم والجنح والجنايات، وبإمكاننا القول والحكم على العراقيين بأنهم أمسوا يستقرئون الأحداث قبل وقوعها، او هم يعيشون الحدث من آخر تداعياته، لما لهم من خبرة وحنكة تولدت لديهم، ذلك أن أحداث البلد تطرق على رؤوسهم أولا بأول.
كذلك تعودوا على سماع عبارات مثل؛ تجاوز على الدستور.. خروقات قانونية.. خروج عن الاتفاق.. وغيرها، وماعاد العراقيون يستغربون سماعها عقب كل تصريح او قرار يصدر من سياسي او مسؤول رفيع او غليظ أو رشيق، إذ سرعان ما ينهال عليه الآخرون من رفاق دربه، بالاتهامات الرفيعة والغليظة بمجرد تلويحه بنية الإفصاح عن رأي في قانون، او وجهة نظر في قرار، وقطعا لايفوتهم التعقيد من الأمر في استحالة تصحيح مسار او إصلاح خطأ يقع في شراكه أحدهم. يذكرني هذا الحال بأعرابي سئل يوما: كيف أنت في دينك؟ أجاب: أخرقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار، مع فارق أن ساستنا لايرقعون (الفتگ) الذي يتسببون به.
وهذا ديدن رؤساء الكتل وزعماء الأحزاب، في مسيرة المليون ميل في العملية السياسية، والتي لاندري متى تبدأ الخطوة الأولى منها بالاتجاه الصحيح، إذ ان أربعة عشر عاما لم تكفِ لتصويب الخطى وتوحيد الرؤى، حيث بات مانراه من تقدم في المسيرة بضع خطوات إلى الأمام، يعقبه تقهقر سريع في الاتجاه أضعافا مضاعفة إلى الخلف. كما بلغ ما يتفتق بسبب ساستنا من خروقات بحق الوطنية والمهنية فضلا عن الإنسانية والأخلاقية، حدا يصعب معه التصحيح والتصليح، فالحلول بالمقابل خجولة، لاتكاد تصيب من عين النجاح ومرمى الفلاح، إلا بقدر مايصيب الأعمى مرماه. ولعلي أصيب إن شبهت حال ساستنا في المشاكل وحلولها بمثلنا الدارج: (الشگ چبير والرگعة صغيرة) والأمثلة في هذا كثيرة لايحتويها عمود او مقال او صفحة، او حتى موقع من مواقعنا المعنية بالشؤون العراقية.
ويبدو ان مثلنا القائل؛ (الإيده بالثلج مومثل الإيده بالنار) ينطبق تماما على مايحدث في الواقع العراقي المعاش، والذي اتسعت فيه الهوة التي تفصل بين قبب مجالس البلد، وبين المواطن المسكين، فكأن تصريحاتهم يأتون بها وفق مقولة؛ (أنا أصرح إذن..! أنا موجود) فراحوا يتلون علينا التصريحات تلو التصريحات، بطريقة أنشودة حفظوها بطريقة (يابط يابط) أو (أنا جندي عربي) وبات المواطن يستمع إليها (من لاچاره) واضعا يد الانتظار على خد الصبر وهو يصيح:
لأقعدن على الطريق وأشتكي
وأقول مظلوم وأنت ظلمتني
ماوددت قوله أنه من المؤسف حقا، أن ماتتناقله وسائل إعلامنا المحلية -المرئية والمقروءة والمسموعة- لايتعدى الأخبار التي أشرت اليها فيما تقدم من سطور، وفي الحقيقة اني تناسيت ذكر أصناف أخرى من الأخبار، وأعرضت عن سردها من باب أن (البينه كافينه).
مقالات اخرى للكاتب