زيارة السيد حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء العراقي إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولقاء الرئيس الأمريكي ترامب بلا شك زيارة تتطلب القراءة والتدقيق في تفاصيلها كافة لما تتضمن من أمور مهمة وما قد يترتب عليها من نتائج، ولأن المعطيات لازالت قليلة ولا تساعد على الجزم باتجاه معين ولأن بعض التفاصيل يتم إخفاءها عمداً ولأن هناك متشائمين ومتفائلين كتبنا هذه القراءة التشاؤلية-أي تشاؤمية تفاؤلية- لعلنا نصل لصورة أكثر واقعية عما يجري.
القراءة التشاؤمية:
تحمل زيارة السيد العبادي في هذا التوقيت وهذه الآلية الكثير من المؤشرات السلبية في جوانب سياسية وأمنية واقتصادية ومنها:
1-توقيت الزيارة قبل انتهاء معركة الموصل يدل على الاستعجال لأسباب قد تتعلق بالمعركة نفسها إذ هناك تسريبات تتحدث عن رغبة أمريكية في إدارة ما تبقى من المعركة وترتيبات لدخول أمريكي فاعل في الموصل وعلى الحدود مع سوريا بدعم عراقي لأجل موازنة الوضع في الروس في المنطقة.
2-حديث السيد العبادي عن اتفاقية الاطار الاستراتيجي وسخرية ترامب من توقيع أوباما لها ورغبته في توسعتها لتشمل جوانب أخرى وأهمها طبعاً الجانب الاقتصادي والذي قدمه ترامب في حديثه وهو محور اهتمامه الأول مؤشر على احتمالية أعادة النظر بها بما يخدم رؤية ترامب أو ركنها والعمل وفق سياقات جديدة تخدم نفس الرؤية.
3-لقاء السيد العبادي بصندوق النقد الدولي قبل لقاءه بترامب مؤشر على إن الاتفاقات مع الصندوق والتي تتضمن قيود اجتماعية بحجة التجارة الحرة التي يبدو إن ترامب سيعيد رسم أولوياتها يعني إن الجانب الاقتصادي في المقدمة.
4-سبق زيارة العبادي زيارة لولي ولي العهد السعودي وبحسب تسريبات المغرد السعودي الشهير "مجتهد" فإن هناك توجيهات للسعودية بشأن النزاع في المنطقة سيكون العراق إحدى أدواته ومن ضمنها الموقف من إيران، وقد سبقت زيارة السيد العبادي زيارة وصفت بالتاريخية لوزير الخارجية السعودي إلى العراق، وتبدو بعض كلمات السيد العبادي بخصوص الوضع مع السعودية كإشارة للأمريكان.
5-الموقف من الحشد الشعبي وإن كان أكثر الجهات المتزنة تطالب بدمجه مع القوات الأمنية ولكن الحديث من السيد العبادي عن الموضوع لا يخلو من سلبيات.
6-إدارج العراق ضمن لائحة المنع ثم رفعه أما مؤشر على تسرع من ترامب أو هو مؤشر على الضغط، وشكر السيد العبادي ترامب على معالجة الأمر كان خالياً من العتب.
7-سبق الزيارة تسريبات عن خطط لترامب بشأن النفط العراقي أو الاقتصاد العراقي وحديث من البعض عن خطة مارشال أمريكية للعراق، وتبدو المعطيات تشير إلى شيء قريب من ذلك فترامب المتعطش اقتصادياً والرافض لآلية التعامل الأوبامية مع العراق وغير المعترف بقيود التجارة الحرة والراغب بمكاسب واضحة وعلنية للاقتصاد الأمريكي والشركات الأمريكية لن يعمل في العراق بدون مراعاة ذلك ويبدو إن السيد العبادي جاهز للتعاطي مع ذلك بما يخدم رغبات ترامب.
القراءة التفاؤلية:
بمراجعة بعض التقارير وبعض المعطيات وردود الأفعال يمكن القول تفاؤلياً:
1-إن العبادي أول زعيم عربي يتم دعوته للقاء ترامب أما زيارة ملك الاردن وولي ولي العهد السعودي فكانت بحسب البعض بطلب وضغط منهم والأولى كانت غير رسمية.
2-يبدو إن هناك مما يمكن تسميته (لوبي) في الداخل الأمريكي يعمل مع الحكومة العراقية بإيجابية ومن نتاجاته رفع اسم العراق من قائمة الحظر.
3-العبادي ذهب ولديه رصيد قوي من الانتصارات العسكرية والسياسية فهو عسكرياً يتكئ على ما حققه القوات الأمنية والحشد من انتصارات مذهلة، وسياسياً هو نجح إلى حدٍ كبير-مقارنة بسلفه- بتجنب العداوات وإدارة النزاع مع الأكراد لصالحه وكذلك في الموازنة بين التحالفات والنزاعات الدولية ولو على مستوى الإعلام.
6-طريقة الاستقبال إذا ما تم مقارنتها مع ما حدث مع ولي ولي العهد السعودي فيمكن القول إن العبادي تم استقباله بحفاوة.
5-إن البعض في أمريكا يقرأ الانتصار العراقي على داعش كانتصار أمريكي في قبال الانتصار الروسي في سوريا.
مما ذكر في القراءة التفاؤلية يمكن القول بمستوى ما إن الزيارة ممكن أن تنتج عنها إيجابيات لصالح العراق فيما لو تم قراءة الواقع الأمريكي والدولة بدقة وجعل العراق مساحة قيادة لا مساحة صراع.
نأمل أن لا نكون قد بالغنا في تشاؤمنا ولا في تفاؤلنا، وتعمدنا إغفال عدد من المعطيات لعدم وضوحها بما يكفي لطرحها، وحاولنا قراءة الموضوع من جوانب عدة لنكون بمستوى الحدث.
مقالات اخرى للكاتب