لم ار سعد الله احاسيس ليومين. انتظرت دقيقة ريثما فتحت امه لي الباب. سألتها عن الأحوال، فقالت ان سعد الله في الطارمة الخلفية مع قطته. استغربت المشهد حين وجدته بدشداشته البيضاء يجلس بالظل وفي حضنه قطة صغيرة شقراء. لم يظهر اي اهتمام لوجودي وبدا مندمجا في مداعبة رقبة القطة الصغيرة التي كانت تنكمش في اغماضة مسترخية كلما لمسها سعد الله. قال لي بإنه يمر بتجربة جديدة، وانه تعلم من هذه القطة الكثير، وإنه ادرك بعد هذا العمر الطويل ان للحيوانات عادات، وأمزجة، وأحاسيس، وإن الانسان كائنا متجبرا.
جلست بجواره على كرسي فقد ظهره، وقلت له بإن عالم الحيوان هو صورتنا الغريزية. التفت سعد الله احاسيس نحوي، وبدا بصلعته، وذقنه المدبب، وهالة البياض التي حوله مثل فيلسوف إغريقي، وقال لي بإنه قدم رعاية كبيرة لهذه القطة بعد أن نزلت في بيته من مكان مجهول، وإنه راقبها مدة طويلة في أكلها، ونومها، وحبها للبرودة، وتعطشها الى الألفة، والصحبة، وجنوحها الى الأمان.
سكت قليلا ثم تابع بإنه فكر بعمق المسؤولية الملقاة على عاتق المؤسسة البيتية وهي تجمع في ثناياها تركيبة المجتمع الكبرى، وهذا يعني أن الدولة حين ترعى المواطن فإنها توفر له محيط حياة آمنة. إنها تصنع منظومة حماية كاملة للحياة، وهذا يعني، حسب استنتاج سعد الله، أن الدولة هي قلب كبير وأحاسيس استباقية. أي أن الدولة التي ترعى بيت الوطن لا بد أن تكون قادرة على فعل ما لا يقدر عليه المواطن العادي. إنها تفرش حنانها من دون تفريق أو تمييز، وعلينا جميعا أن نشعر بالمسؤولية تجاه هذه الأبوة.
قلت له:
ـ هذا الاستنتاج صحيح، وإن هذه العلاقة هي التي تحكم حياة الدولة، وعليه يجب أن تكون لنا القدرة على التفاعل الايجابي.
استقام ظهر سعد الله وقال:
ـ اطعمت قطتي قبل قليل، وكان بالإمكان التوقف عند هذا، ولكنني لم اكتف بذلك، وها انا أداعبها، وألاطفها وأساعدها على ان تكون مطمئنة البال وسعيدة.
سكت قليلا وعاد ليقول:
ـ ولكن الدولة لا تداعبني يا صديقي. لم يحدث أبدا أن شعرت انها اهتمت بي بعد أن استلم الحصة التموينية. أقصد أنني لم اشعر أن الدولة أسرعت مثلا وقالت: تعال يا سعد الله سوف نبلط لك الشارع أمام بيتك وسوف نعطيك الكهرباء حتى ترضى! أو تعال يا سعد الله وخذ هذا الدواء الذي يعالجك ويشفيك، ولن تحتاج الى البحث عن عيادة خاصة. أنا مثلا إذا زرت الدولة في المجلس البلدي من أجل حاجة، أرى الدولة تشك بي وتطالبني بوثائق كثيرة وكأنها لا تعرفني أبدا. خشم الدولة دائما مرتفع وكأنني غير موجود. أنا لا أعرف مثلا لماذا أنا خائف جدا. ألا استحق أن تضعني الدولة في حضنها كي اشعر بالسلام والأمان والسعادة؟
قلت بتعاطف:
ـ نعم تستحق أيها الهر المسكين!
مقالات اخرى للكاتب