قبل أن نخوض في تفاصيل هذا الموضوع المؤلم لابد لنا من الإشارة إلى أن العراق ليس ملكا لعبد الكريم قاسم, ولا ملكا لعبد السلام ولا عبد الرحمن عارف, ولا ملكا لأحمد حسن البكر, ولا ملكا لصدام, ولا ملكا للجعفري, ولا ملكا للطالباني, ولا ملكا للمالكي, ولا لأي مخلوق حكم قبلهم أو سوف يحكم بعدهم, فالعراق ملك للعراقيين وحدهم. .
والعراقيون فيهم المسلم السني, وفيهم المسلم الشيعي, وفيهم المسيحي الشرقي والمسيحي الغربي, الكاثوليكي والكلداني والسرياني والآشوري والأرثوذكسي والبروتستانتي, وفيهم الصابئي المندائي, وفيهم الأيزيدي. .
والعراقيون فيهم العربي وفيهم الكردي وفيهم التركماني, لكنهم جميعا يمثلون أقدم شعوب كوكب الأرض, وينتسبون لأعرق الحضارات الإنسانية, والعراقيون من أكثر شعوب الكون نفعاُ وفائدة لجيرانهم وأشقائهم من العرب والمسلمين. .
فإذا ساءت العلاقات الدبلوماسية بين الحكومة العراقية والأردنية, أو توترت, أو تدهورت, أو تشنجت على خلفية الأحداث, التي وقعت داخل محرمات السفارة العراقية في الأردن, فلا يعني ذلك أن تكون الجالية العراقية المتواجدة الآن في الأردن هي الضحية, ولا يعني أن نكون نحن الهدف المقصود لسلسة من الاعتداءات اليومية السافرة. .
لقد حصل ما حصل في السفارة, واعتذرت الحكومة العراقية رسميا, وسحبت كل المسؤولين العراقيين المتورطين في الحادث, وأنزلت فيهم أشد العقوبات, وأرسلت وفداً دبلوماسيا للاعتذار, ثم بعثت وفدا عشائرياُ إلى عمان برئاسة الشيخ عدنان الخوّام لتقديم الاعتذار الأخوي لعشيرة النجداوي الأردنية, وندد العراقيون في الأردن بما حصل في السفارة. .
وتواصلت الاعتذارات العراقية على شكل رسائل وبرقيات متلاحقة, أكدت كلها على عمق العلاقات العراقية الأردنية الأخوية والإستراتيجية, وشددت على حرص الحكومة العراقية على التعاون المشترك المثمر مع السلطات الأردنية. .
بيد أن ما كتبه الكاتب الأردني المنصف (الأستاذ ماهر أبو طير) يثير في نفوسنا الفزع, ويجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفا على العراقيين المتواجدين في الأردن من الاعتداءات, فقد وجه الأستاذ ماهر نداءات الاستغاثة لنجدة العراقيين, فكتب مقالته على صفحات جريدة الدستور الأردنية في الرابع والعشرين من الشهر الجاري, وكانت بعنوان: ((تحريض مرفوض على العراقيين)). .
الكاتب ماهر أبو طير: كاتب أردني معروف بمواقفه الإنسانية المشرفة, وربما شاهد الاعتداءات وسجلها بكاميرته, فندد بها واعترض عليها, وطالب دولته بتوفير الحماية للعراقيين المتواجدين في الأردن, وقال في مقالته: (( ما ذنب الشعب العراقي لأهانته كله من باب رد الفعل, وضرب عراقيين, وحرق سياراتهم وبيوتهم, وإيذائهم بكلام جارح, ولا كأننا أمة واحدة)). .
وناشد الحكومة الأردنية بقوله: ((لا يجوز تناسي مواقف العراقيين معنا, عشرات الآلاف من الطلاب من الأردن تخرجوا من جامعات العراق, درسوا مجاناً, عشرات المليارات من الدولارات دخلت الأردن عن طريق العراق فوق النفط المجاني, كل القطاع الأردني الخاص والعام استفاد من العراق, هذه خيرات الشعب العراقي نفسه, وليست خيرات صدام, ولا خيرات المالكي)). .
وتساءل (أبو طير) مع نفسه موحيا للقارئ الأردني بمنطق الحكمة وضبط النفس الذي ينبغي أن يتحلى به كل عاقل, فقال: ((إذا اعتدى أردني على أي فرد من الشعب العربي, والمواطن منا يخطئ لأي سبب كان, فهل نقبل لحظتها أن يتم الرد على كل أردنيين في ذلك البلد, وهل نقبل بالإساءة للأردن وشعبه ؟؟)). .
وقال في ختام مقالته: ((أن هذا التحشيد يتم توظيفه لغايات أخرى, تتعلق بإثارة الكراهية ضد الشيعة,. توطئة لقبول أي عمل عسكري ضد النظام السوري, باعتباره مصنفا كنظام علوي شيعي, بحيث يكون التحشيد مفيداً بمنع الاعتراضات, بل بقبول أي مداخلة عسكرية, باعتبار أن الشيعة سواء, وأن المعسكر واحد, ويتوجب الانتقام من كل هذا المعسكر)). .
وقال: ((هنالك قوى تحاول توظيف غضب الناس الطبيعي, واستثماره لغايات سياسية لا تخطر على بال أحد, من بينها نسف أي تطور في علاقات الأردن بالعراق, خصوصاً بعد مشروع أنبوب النفط, وفي ذات الوقت فإن هذا الغضب يصب لصالح الحملة العربية ضد حكومة المالكي, وما تواجهه أيضاً من وضع معقد)). .
ترى من يحمي العراقيين المتواجدين الآن في الأردن من المتهورين المشحونين بالغضب ضد كل ما يمت للعراق بصلة ؟. لقد حذرنا مراراً وتكراراً من مخاطر التحريض الطائفي الذي أسسته الحكومة الأردنية في مطاراتها, وطالبنا المنظمات الدولية برصد التصرفات اللاإنسانية في المنافذ البرية والجوية الأردنية, والتي ظلت تمارسها الأردن ضد العراقيين حتى يومنا هذا, فما أن يصل العراقيون إلى أكشاك مكاتب الجوازات حتى يكون السؤال الرسمي الأردني حاضراً وجاهزاً وواضحاً وصريحاً ومباشراً, فيسألونك: هل أنت سني عراقي أم شيعي عراقي ؟؟. وعبثا تحاول إجابتهم بأنك مسلم, فلا وجود للمسلم في أذهان ضباط الجوازات, لأنك في نظرهم أما أن تكون شيعياً أو سنياً. .
ومن يحمي العراقيين الذين يتعرضون اليوم لأشرس حملات التنكيل والاضطهاد داخل الأرض الأردنية ؟. ومن سيرمي لهم طوق النجاة لينتشلهم من هذه الأوضاع المزرية ؟. ومتى تنتفض منظمات المجتمع المدني في العراق لتذود بالدفاع عن العراقيين الذين تعرضوا ويتعرضون في الأردن للضرب والمهانة, ومن يعوض العراقيين الذين أحرقت منازلهم ومكاتبهم ومحالهم التجارية ؟, انظروا إلى هذا الشريط, الذي يمثل لقطة من مئات اللقطات, وشاهدوا كيف يعتدي الأردنيون على مواطن عراقي أعزل كان يتجول بمفرده في شوارع العاصمة عمان, وهذا ما نسميه عندنا في العراق (ولية غمان). .
http://www.youtube.com/watch?v=pBAPZM0aea0
فما سر سكوت الفضائيات العراقية التي ظلت تطبل وتزمر على إيقاعات معركة الكراسي التي دارت رحاها في مقر السفارة, ثم لماذا لاذت فجأة بالصمت المطبق وهي ترى بأم أعينها ما يواجهه أبناء العراق من ضرب وذل وتعسف وهجمات عنصرية وطائفية داخل الأردن على يد جماعات حاقدة موتورة, تخلت عن ابسط القيم الأخلاقية ؟؟. . . .
دگعد ياعُراق شِبِيكـ
مُوُ انْتَهَ الِلي على الكلْفات ينْخُونكْ