طالما لفت أنتباهي طائر البطريق , وطالما تابعت حياة هذا الطائر الجليدي بقطعانه المليونية وهي تسير الهنيهة بعضها خلف بعض , وتسبح بأنسيابية في المحيطات وتسير على الجليد بخطوات أقرب الى البشر وهي ترتدي العباءة السوداء , وكأنها ذاهبة لأداء مناسك العبادة قطعان تجر قطعان .
ولا أخفي عليكم كيف أهتمامي بها لأنها تتبع كبيرها دون تفكير أو أستخدام لما تحمله من بعض الذكاء الفطري , فتراها تقف كالقطيع على جبل الجليد تنتظر كبيرها أن يهوي بجسده الى مياه المحيط , فأن نزل كبيرها الى الماء نزلت خلفه وسبحت معه قطعانآ قطعان دون أن تلتفت الى المخاطر التي تنتظرها من وحوش المحيط وحيتانه وأسود بحره , فيلتهم أجسادها بدموية كل ناظر متربص بها تحت الماء , فتسيح دماؤها وتتمزق أجسادها , وكبيرها غير مهتمآ بما يجري لقطيعه الذي قاده الى الهاوية , وعند أنتهاء المجزرة التي سبحت أليها البطاريق دون تفكير أو روية أو أهتمام , تعود قطعان البطاريق وهي تنتظر على السواحل كبيرها أن يختار زاوية أو ساحل أو قطعة أرض يخرج اليها من المحيط , فترقب كبيرها وتنتظر , فيخرج كبير البطاريق بجسده مسرعآ , وتهب البطاريق خلفه ثانية دون تفكير أو روية أو بصيرة , وتتطاير أجسادها بالهواء تتبع كبيرها الذي خرج , وهي لا تعلم مدى المخاطر الجمة التي تنتظرها عند الساحل من الوحوش والطيور الكاسرة التي تهب عليها تقطيعآ , حتى أذا أكتملت البطاريق بخروجها , أجتمعت قطعانآ قطعان , تنتظر كبيرها أن رغب بالقفز للمحيط من عدمه حتى تتبعه دون تفكير أو روية وتستمر المجازر بحقها , وكبيرها قابع وسطها متمخترآ بعبائته السوداء يسير الهنيهة بين البطاريق وكأن شيء لم يكن , وكأن الدماء والأجساد التي تطايرت في المحيط أو الساحل هي جزء من سياسة الطبيعة الدموية .
بعض الشعوب لا تختلف عن البطاريق نهائيآ فهي تتبع كبيرها دون أستخدام العقل , ودون أستنباط الأحكام عقليآ وأنما نقلآ بالأنابة , فهذه الشعوب تغلق عقولها وتتبع العقل الجمعي والتقليد الأعمى , فتراها تضع عقولها في أجازة وتنتظر كبيرها ( البطريق الأكبر ) حتى يفتيها وهو متبجحآ بعبائته السوداء ملتحفآ بصومعته ويسير الهنيهة لأداء مناسك العبادة , غير مدركآ للمخاطر التي تحوم بقطيعه ومدى المجازر التي تذبح القطيع يوميآ , نتيجة أتباعه دون تفكير , والمشكلة أن هذه القطعان البشرية أستأنست بالأتباع والتقليد ووضعت عقولها في خزائن التأريخ , وتنتظر كبيرها أن يذهب بها لسفينة النجاة وكأنها لا تعلم أن المحيط الدموي مليء بالوحوش والحيتان لتنزل خلف الكبير دون أستخدام للعقل , فتتمزق أجسادها وتتناثر دماؤها وهي لا تعلم ما يجري حولها وبمحيطها , وتستمر هذه القطعان البشرية تقدم الأضاحي , وهي عمياء مقلدة للأخر , وبتبعية غير مبررة وغير مقبولة أنسانيآ , حتى وصل الأمر أن يستخدم كبير قطيعنا البطريقي قطعانه البطريقية للدفاع عن بعض الكواسر البشرية الدموية من بقية زعماء قطعان البطاريق عفوأ الأنظمة السياسية البطريقية الأخرى , فيرسل بطاريقه لتموت في دول بطريقية أخرى , بحجة أن سفينة نجاتها يقترن بموتها دفاعآ عن مقدسات بطاريقها , وتعود جثث الضحايا البطريقية بتوابيت طائرة لتشييعها بموكب بطريقي مهيب , وكل البطاريق المقلدة تسير خلفها وهي تنحب وتولول دون أن تعي أنها أستخدمت للدفاع عن زعيم بطريقي دموي أفنى قطيعه وذبحه وقدمه في محراب شعارات المقدسات والمقاومة ...!
والمهم أن قطعان البطاريق أنتجت حكومة بطاريق , فترى رئيس وزراء البطاريق , عين ممثلآ عن كتل قطعان البطاريق في وزارته , وأصبح لدينا وزيرآ بطريق في كل وزارة , والبطريق الوزير عين بوزارته كل بطاريق عائلته , حتى أصبحت مواريث البطاريق عرفآ بطريقيآ لكل وزارة , وتمتع بثروات ومزايا وحصانة دولة البطاريق , والمصيبة يتمختر هذا الوزير البطريق ويصرح وينسحب ويعود لوزارته معتبرآ نفسه زعيمآ مفكرآ فقيهآ وكأنه نسي أنه مجرد بطريق يستخدم لنوايا وأجندات حيتان المحيط وكواسره.
والعجيب في الأمر أن كبير بطاريقنا بارك وزارة البطاريق الديمقراطية وقطعانها وجيوشها ومليشياتها حتى أنتجت بطاريق بطاطية وخزعلية , وسكت عن قتل وأستباحة دماء وأموال وأعراض مجاميع بطريقية تسكن جزيرته ومحيطه , وترك عنان بطاريقه المستخدمة تفجر وتقتل وتخطف بسيطرات وهمية وبمباركة رئيس حكومة البطاريق الديمقراطية , مما وضع قطيع البطاريق بين حانة ومانة حتى ضاعت كل لحانا .
يؤلمني أن التفكير الجمعي لبطاريقنا أصبح تفكيرآ أعمى وغير ذي بصيرة فضاعت بوصلته وتمزقت أحلامه , وتناست أنها صنعت بطارقها الصنمية لعقود طويلة , فكانت تهتف وتتقافز وتتنابز شعرآ بشعاراتها وهي تصدح بالروح بالدم نفدي بطريقنا الأكبر , وهي التي صنعت بطريقها الحالي بأصابعها البنفسجية , فنفخته وووسمته بمختار البطاريق , ورئيس البطاريق يقف متبجحآ بأنه أخذها من بطريقكم وما ينطيها , فضاعت قطعان بطاريقنا بين الشتات قتلآ وخطفآ وأقصاءآ وتهميش , والأن الجميع ينتظر أن يخرج لها بطريقآ ثوريآ يخلصها من واقعها المؤلم , بين تمزيق أجسادها وتناثر دماؤها وسلب أموالها وثرواتها , ويكون البطريق المخلص هو البطريق الأكبر الجديد , ولكن السؤال الأساسي , أن خرج لنا بطريقآ ثوريآ محررآ , هل سنبقى بطاريق ونتبع كبيرنا دون تفكير ؟ هل سنتخلص من أمراضنا البطريقية لصناعة البطريق الأكبر ؟ وهل سنستخدم عقولنا ونبتعد عن التقليد الأعمى والأتباع للأخر دون تفكير ؟ وهل سيأخذنا بطريقنا الثوري الجديد لنعيش بكرامة ؟ وهل سيعتمد الأعلان العالمي لحقوق البطاريق دليلآ عمليآ لحكمه ؟ وهل سنكون بطاريق أحرار برئينا وفكرنا وعقائدنا ؟ والسؤال الأهم هل سننسى أننا بطاريق وسنيقى بطاريق أم نعود لأنسانيتنا ؟
أن الله سبحانه وتعالى , خلق الأنسان في أحسن تقويم ومنحه عقلآ للتفكير , حتى يتفكر ويتمعن ويستخدم عقله ورؤيته لأستنباط الأحكام التي تجعله خليفة الله في الأرض معمرآ ومنتجآ , ويبتعد عن الأتباع والتقليد الأعمى حتى يعرف الأنسان أنه أنسان وليس بطريق .
مقالات اخرى للكاتب