دلائل الوضع كلها تشير إلى توجه منظم ومقرر من جانب قوى أساسية في التشكيلات السياسية القائمة والحاكمة بالعراق صوب المزيد من تسعير الوضع وصولاً إلى تفجيره, وهي ترى في ذلك الطريق الوحيد لبقائها الطائفي السياسي "الشيعي!" على رأس السلطة, أو للوصول بقواها الطائفية "السنية!" إلى رأس السلطة. وهي تدرك جيداً مخاطر هذا الوضع الطائفي وعواقبه الوخيمة, ولكنها مستعدة لخوض غمار هذه المغامرة المدمرة لوحدة الشعب العراقي والحياة الاقتصادية والاجتماعية, وهي تعتقد بوجود قوى سياسية ودول مجاورة مستعدة لمساندتها ومدِّها بما يسهم في مواصلة هذه المغامرة القذرة. وغالبا ما كانت وتكون حسابات المستبدين في العراق غير إنسانية وغير دقيقة وغير محسوبة العواقب, وبالتالي تقود إلى نهايتها غير المشرفة, وغالباً ما وجد ويجد هؤلاء الناس في المحصلة النهائية أنفسهم في حفرة شبيهة بحفرة الدكتاتور الأهوج الذي أوصل البلاد والشعب إلى ما هما عليه الآن. لقد لعبت سياسة رئيس الحكومة الحالية دوراً كبيراً في تأجيج الطائفية السياسية, ولعب الحليف في الحكم والمعارض في آن واحد دوراً مماثلاً للوصول إلى موقع رئيس في السلطة بنهج وأهداف طائفية وليس لأهداف تخدم مصالح الشعب والوطن. وكلنا شاهد على إن فاجعة الحياة السياسية الراهنة عكست واقعها السيء على الحياة الاقتصادية, والحياة الاقتصادية المتزايدة تعقيداً تجلت في التدهور المستمر لحياة ومعيشة الناس الفقراء والكادحين اليومية. وكل المؤشرات تؤكد إلى استمرار التفاقم في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الراهنتين وإلى تراجع في سعر صرف الدينار وإلى تدهور شديد في القدرة الشرائية للدينار العراقي والمزيد من البطالة والفقر وعواقب ذلك على مستوى حياة ومعيشة الناس وتوفير حاجياتهم الأساسية. إن النداءات الحماسية ومطالبة المسؤولين بمراجعة ضمائرهم والعودة إلى العقل لم تعد تنفع مع من وفر أو ساهم في توفير مستلزمات الأزمة السياسية الراهنة وعواقبها على بقية مجالات الحياة العامة, لأنه كان راغباً في نشوء هذا الوضع المأساوي, وإلا لكان قد فكر بذلك قبل البدء بتوتير الأجواء واستخدام أجهزة الأمن والشرطة والجيش والقوات الخاصة لخوض المعركة ضد الحليف السياسي المعارض بدلاً من الحوار والمساومة للوصول إلى نتائج إيجابية. كلنا شاهد بأن رئيس الحكومة قد بدأ بتوتير الأجواء مع حكومة الإقليم, رغم التحفظات على بعض سياسات الإقليم, ليسعى إلى كسب ود القوميين والأحزاب الإسلامية السياسية المشاركة في الحكم, وبعد نجاحات بسيطة, أدرك بأن هذا لن يساعده على تحقيق غاياته, فبدأ بتهدئة الأوضاع مع حكومة الإقليم ليشددها بزخم متزايد مع القوى القومية العربية اليمينية والإسلامية السياسية ليصعد المعركة ويمارس مغامرته بعيداً عن الكرد كمرحلة أولى. وضاعت في خضم هذه التكتيكات الفاشلة مصالح ومطالب الناس العادلة واقترب الوضع من كارثة فعلية محدقة. إن رئيس الحكومة الراهنة يمثل الأحزاب السياسية الشيعية المتصارعة في ما بينها والتي لا تزال عاجزة عن إبعاده لأنه يجد التأييد والمساندة من إيران أولاً وقبل كل شيء, وتخشى, وهي الطائفية بامتياز, على وجودها الطائفي على رأس السلطة, وهي بهذا مستعدة حتى الآن على قبول التضحيات الكبيرة التي يتحملها الشعب من جراء سياسة ممثلها الواقف على رأس السلطة. وستكون العاقبة عليها جميعاً شديدة ومدمرة بعد حين. إن نداءات السيد عمار الحكيم بعقد اجتماع رمزي لكل القوى السياسية العراقية أمر كان مفيداً لو استجاب رئيس الحكومة لنداءات رئيس الجمهورية قبل ستة شهور أو سنة أو حتى قبل سنتين وقبل أن تصل الحالة إلى حدود الكارثة المحدقة! ولكن لا أتصور إنها ستكون نافعة اليوم لأن رئيس الحكومة وقد أبدى موافقته على حضور هذا الاجتماع, هدد في الوقت نفسه بالويل والثبور لمن يتجاوز على الأمن العام, علماً بأن الأمن العام مفقود والموت يومي تمارسه قوى الإرهاب بمختلف هوياتها بكل حرية وتأتي على حياة المزيد من البشر يومياً. إن رئيس الحكومة وحزبه هما الكارثة الراهنة في عراقنا "الجديد!". ليس أمام القوى التي تريد الخلاص من هذا الوضع البائس والمخاطر الجدية التي تهدد الشعب بحرب طائفية قذرة سوى التوجه للعمل بأربعة اتجاهات ثلاثة: 1. تكثيف وتوسيع العمل مع الفئات الاجتماعية الشعبية التي تعاني من الواقع الراهن ومع منظمات المجتمع المدني والدفع باتجاه التظاهر وتنظيم المسيرات والاحتجاجات ضد السياسات التي تمارس حالياً. إنه الطريق الأضمن والأكثر أهمية في مجمل العملية السياسية الجارية. وإذا تطلب الأمر التفكير الجاد بمدى إمكانية تنظيم تدريجي لاعتصامات وعصيان مدني. 2. السعي لتشكيل جبهة أوسع من جبهة قوى التيار الديمقراطي الراهنة, من كل الذين يدركون مخاطر الأزمة الراهنة وعواقبها على المجتمع, سواء من يعمل مع الحكومة أو خارجها والضغط على قوى التحالف الكردستاني لتمارس بدورها الضغط على الحكومة وليس مساومتها على أهداف آنية تسهل عليه الهجوم على الآخرين, وحين ينتهي منهم يتحول إلى مكافحة الكرد, تماما كما لعب صدام حسين هذه اللعبة القذرة في أوائل حكم البعث الثاني بالعراق. 3. تعزيز وتطوير دور المثقفين والمثقفات بالعراق لتلعب دورها المحفز للإنسان العراقي والرافع من الإحباط الذي يعاني منه الآن والساعي إلى انتزاع حقوقه من مضطهديه, من النخبة الحاكمة الراهنة. 4. التوجه إلى الأمم المتحدة والرأي العام العالمي لتحريكه باتجاه مساندة الشعب العراقي والوقوف بوجه السياسة الطائفية المغامرة والمدمرة التي يمارسها الحكم الطائفي والقوى الطائفية السياسية بالعراق والذي جاء بسبب مهادنتها وسكوتها على ما يجري بالعراق, وهي المسؤولة عن البند السابع وعن مسيرة العراق, إضافة إلى الدور السيء والمشين الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية بالعراق والمؤيدة بهذا الشكل أو ذاك لسياسة المالكي المُشرذِمة لقوى الشعب والمفرقة للصفوف والمبعثرة لموارد البلاد المالية والجاثمة كالغول على صدر الشعب العراقي, وكأنها سياسة مبرمجة ومقصودة من جانب الإدارة الأمريكية ومراكز القوة فيها. لا تنفع النداءات مع من تسبب بنشوء هذا الوضع وهو غير راغب وغير قادر إيديولوجياً ولا يفكر بحل الأزمة, بل يري تصعيدها, رغم ما يبديه أحياناً من تخفيف مع هذه المجموعة أو تلك أو مع هذا الشخص أو ذاك, إذ سرعان ما يطلق تصريحاً أو يرسل من يدلي بتصريح لينسف الوضع كله ويعود إلى ما وراء المربع الأول ليزيد من الصراع ويعمقه ليجني, كما يعتقد, ثمار ذلك, وهي ثمار مرة للشعب العراقي كله, ولكنها حلوة للمفسدين والمستبدين والطامعين في المزيد من الحكم والسحت الحرام ولو مؤقتاً. إن على الشعب وقواه السياسية غير المتورطة بالصراع غير الإنساني الجاري إدراك عمق وشمولية الأزمة, إداك حقيقة المستنقع والدرك الأسفل الذي يخطط له الحاكم بأمره رئيس الحكومة الحالية ويدفع بالوطن والشعب للسقوط فيه. إن على من يؤيد الحكم الراهن أن يعيد النظر بحساباته وأن ينطلق من مصالح الشعب والوطن وليس من حساباته المالية المصرفية الوقتية والتي تكلف الشعب المزيد من الأرواح البريئة والمزيد من الدمار والخراب.
مقالات اخرى للكاتب