الأخ حسن المذكور المحترم :
بعد التحية والشكر .
تلك عاهتنا ... طائفيون , ولدنا من رحم اجيال متهمة بقتل الوطنية العراقية في ذاتها وبدونها نمارس تصفية بقايا جيناتها , اسمائنا وساحات وشوارع مدننا وجامعتنا وبرامجنا واماكن عباداتنا وموسسات دولتنا ومظهرنا وكذلك سلطاتنا جميعها طائفية بأمتياز , نُتف ريش الأبداع والمواهب والفنون والأداب والفلكلور وترك السواد على وجه العراق , لوحة يكتبون عليها عناوين طائفيتهم .
اقترح اخي الكريم : ان يبادر المتبقي من الخيرين على اصعدة الثقافة والسياسة ومنظمات المجتمع المدني ــ وفي العطل الفصلية, الى تشجع ومساعدة اطفالنا وكذلك التجمعات الشبابية الرياضية والفنية على زيارات مدن بعضها , سفرات جماعية من البصرة الى الرمادي ومن نينوى الى ميسان ومن اربيل الى تكريت وذي اقار ومن السليمانية الى الفلوجة ومن كركوك الى النجف, يرافقها مهرجانات مشتركة في عاصمتهم بغداد ' علاقات عفوية يتعرفون فيها على جمالية الوطنية العراقية على وجوه بعضهم , ولا تشير هوياتهم الى انتماءات دينية مذهبية وقومية الى جانب ــــ عراقي ــــ اننا على ثقة ان تلك المبادرات ومحاولات اخرى مشابهة ستساعد الأجيال القادمة على استعادة هويتها العراقية المشتركة .
اخوك : احمد الدليمي
بودي ان اضع تلك الرسالة العزيزة على الطاولة المستديرة لمماليك الأمارات الطائفية العرقية , مع انها قضية ضمير اجترته وافرزته حيتان التطرف, احيل الرسالة الى كل مواطنة ومواطن , واطفال وشباب المدن العراقية , كي يدركوا اهمية الأنتماء والولاء للهوية التي تجمعهم في احضان العراق ـــ وطناً للجميع ـــ رابطة لا تعلو عليها اخرى , انها منظومة احاسيس وعواطف وعشق تاريخي لأربعة حروف تستحق الهيام بها وتقديسها, انها الأرض والأنسان والبيئة والخيرات , انها في ان نكون منها واليها استحقاقاً وطنياً انها الــ ( ع ــ ر ــ ا ــ ق ــ ) .
الدين صلة الأنسان بربه , الوطن صلة الأنسان بالأنسان , ومن يخون العلاقات والروابط الأخوية مع شريكه في الوطن , ماهو الا طائفي عرقي لا دين له ولا قومية ولا طائفة ولا مذهب ولا ضمير ولا شرف , وخلف اسمه وعناوين ائتلافاته وتحالفاته تتراكم الرذائل .
من قال , ان وجه العراق كان اسوداً بلون الحزن , وتاريخه لا يعرف الفرح والتفائل والأبتسامة , يشيع جثمانه كل يوم , وهو حي ينعي موته , ولد بلا روح واحاسيس ورغبات ... ؟؟؟ , اذن من اكتشف الفنون والمعارف والأداب والعلوم والقوانيين ومنح الحياة جماليتها .. ؟؟؟ , ان كان غير ذلك , لوجد الأثريون اعلاماً سوداء تغطي بوابة عشتار ومسلة حمورابي , الطائفيون والعرقيون , يعلمون ما تحت قشرتهم من امور مرعبة واسرار مخيفة وتواريخ كاذبة, تسعة اعوام , وهم يعيدون سحق الأنسجام الحضاري لحروف الوطنية العراقية , وخلف زيف شعارات الشراكة والتوافق والتحاصص والسلال الموحدة ـــ والوطنية !!! ـــ , يتقاسمون مصير الأمة وحاضر ومستقبل الأجيال , انهم وفي كل مناسبة دينية او قومية او مذهبية يفتعلوها من خارج سياقها التاريخي , يعيدون فتـح العراق واذلال شعبه, وكل ما يفعلوه هو اعادة تدمير الذات العراقية وشرذمة التماسك الداخلي للأنسان والمجتمع , انهم انانيون تافهون فارغون يشاركون في تمرير سايكس بيكو الثانية على ظهر طائفيتهم وعنصريتهم .
جميع دول العالم وشعوبها تتكون من اديان وطوائف ومذاهب وقوميات متآخية منسجمة داخل كيان المجتمع , الأديان فيها لا تكفر بعضها , والطوائف لا تفرخ طائفية , والقوميات لا تنتج عنصرية, هذا في الدول التي تحترم ذاتها ومجتمعاتها وتجعل من مكوناتها اساس وحدتها وقوتها وامنها واستقرارها وازدهارها .
ما يحدث في المنطقة ـــ الأسلامية ـــ امر مغاير وخطير , فالأسلام الذي وسعت الفتوحات ( بقضها وقضيضها ) مساحة رقعته , هو ذاته الذي اصبح الآن اداة فتـح معاكس, لم يعد متماسكاً متصالحاً منسجمخاً من داخله, ومشاريع الآخر , استطاعت ان تجزاءه وتعيد تركيبه قوميات وطوائف ومذاهب , ثم شرائع واجتهادات وفتوات ودعوات لفتح وسلب بعضها , نزاعات وحروب وابادات وثأرات طائفية نيابة عن الذي كبس امصال الدولار داخل شرايينها , فأفقدها ماهيتها ( ان كانت ) والتحكم في توقيت وتوظيف اشعال فتنتها متى شاء وبالطريقة التي تخدم مصالحه .
الأشكالية هنا لا يمكن حصرها في عفوية وقدرية وجهل المسلم ذاته , انه لم يولد هكذا من رحم امه , انها مشكلة تاريخية مركبة متراكمة من داخل الأسلام حصراً , تشكلت ونمت واكتملت داخل رحمه لتولد سايكس بيكو ( 2 ) اسلامي الملامح طائفي الفعل , انها امة تمزقت بين جهل عبادتها وعبادة جهلها , هنا نترك التفاصيل لأصحاب الأختصاص من باحثين ومؤرخين واثريين , ليعيدوا الحقائق الى نصابها عبر اعادة كتابة تاريخ الأمة .
الأسباب لا تعالج نفسها ولا تستبدل وظيفتها, والمشكلة لا يحلها من مشكلها, وهنا لم يكن امام شعوب المنطقة والعراقيين منهم بشكل خاص , الا ان يستعيدوا ذاتهم ويعتمدوا الوطنية دليلاً لأعادة اصلاح ما اتلفه الطائفيون والقوميون , ان يتحرروا من جهلهم وفقرهم وامراضهم النفسية والروحية والجسدية , ثم يستعيدوا المفقود من حقيقتهم ويجمعوا اجزاء هويتهم ويحترموا الوقت , حتى لا يضيع خلف هذا الطائفي ضد الآخر والعكس , او مع ذاك المتعنصر ضد غريمه والعكس , انهم ومهما تقولوا , مواد محلية يصنع منها الآخر ادواته لتمزيق الوطن واخضاع واذلال اهله , فبدون اتلاف ادوار تلك الأدوات المستأجرة , سوف لن تقف شعوب المنطقة ومنها العراقيون بكامل قامتهم , مستعدون ومقتدرون للدفاع عن ذاتهم واستعادة واعادة تشكيل وحدتهم والتحكم وطنياً بمصيرهم متحرراً من قبضة الطائفيين والقوميين .
مجتمعات المنطقة , ومنها العراقي, وعبر ازمنة الأنحرافات والأنتكاسات والهزائم فقدت الكثير من موروثاتها القيمية , الحروب والفتوحات والحصارات والفتن لا زالت تعوي في خرائب ضمائرها , الجهالة والتخلف والتطرف قد اعمت بصيرتها وافقدتها رشدها , فيها الطوائف والمذاهب والأعراق من شجرة واحدة , السنة والشيعة والعلوية والوهابية والقاعدة والنقشبندية وكذلك الفرق التي تكفر وتفجر وتمثل , جميعها اسلامية, حتى ولو على سبيل الأدعاء, المسلم فيها يؤمن اكثر مما يفهم , ويخاف اللـه اكثر مما يحبه , جعل من دينه بيئة لتدمير نفسه عبر سايكس بيكو طائفي محلي قادم, هنا يجب ان تراجع الأمة تفاصل تاريخها وتصلح حاضرها وتحرر وتضمن مستقبلها .
مقالات اخرى للكاتب