من المعروف ان قادة الدول واعضاء مجالسها النيابية وحكوماتها المركزية والمحلية هم نحبة وطليعة المجتمع وحكماؤه واصحاب الراي فيه ، وهم الاكثر قدرة على رسم السياسات واتخاذ القرارات وتشريع القوانين والانظمة ، بعيدا عن المزايدات والمناكفات الحزبية والطائفية والقومية ، لكنهم في ذات الوقت متنافسون سياسيا ، وفق برامج اقتصادية واجتماعية وسياسية تميز بعضهم عن بعض ، وهذا التنافس يجري عادة بطرق وسياقات مقبولة عرفا وقانونا.
ابتلى العراق بعد الاحتلال في 2003 باحزاب وتيارات جمعها العداء لنظام صدام حسين وفرقتها المصالح الحزبية والفئوية ، حتى تم تهشيم كثير من القوانين والاعراف لدرجة فوضوية .
جاءت المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية لتضعف فرص ارساء نظام برلماني ديمقراطي يعتمد التداول السلمي للسلطة بالاحتكام الى صناديق الانتخابات و الاليات الديمقراطية الاخرى .
ولدت المحاصصة اللعينة برلمانا وحكومة هجينين يفتقدان الانسجام الى درجة افتقار البوصلة ، فاصبح كل نائب او "كتلة" بوصلته الخاصة ، التي تتقاطع مع البوصلات الاخرى ، والتي لا تمثل اي منها بالضرورة البوصلة الوطنية الجامعة الشاملة .
تضخم مجلس النواب والحكومة بشكل لم تشهده بلدان اكبر من العراق من حيث عدد السكان والمساحة ، فالولايات المتحدة الامريكية التي يفوق عدد نفوسها عدد نفوس العراق بعشرة اضعاف ، وتفوق بمساحتها مسساحة العراق بـ 22 مرة يبلغ عدد نوابها 435 نائبا .
واستجابة لسياسية المحاصصة والترضية تم في انتخابات 2010 زيادة عدد اعضاء مجلس النواب العراقي بشكل غير منطقي الى 325 عضوا ، بعد ان كان عدد اعضاء الجمعية الوطنية 275 ، احتسبت هذه الزيادة على اساس ان نفوس العراق " التخمينية " تجاوزت 32 مليون نسمة باعتبار ان كل نائب يمثل 100 الف شخص ، واذا طبقنا هذه النسبة على الولايات المتحدة الامريكية سيصبح عدد اعضاء مجلسها النيابي خرافيا لا يسعه مبنى ، وعندها تضيع فرصة التحدث وابداء الراي على كثيرين ، وربما تنتهي دورة الملجس ولا يستطيع بعظهم ان يبدي رأيا او ينطق بكلمة.
ادت زيادة اعضاء مجلس النواب العراقي الى صعود اشخاص لا يمكن تصنيفهم باي حال من الاحوال قادة راي عام او ذوي جاه اجتماعي او ممن محسوبين على النخبة الفكرية والسياسية ، الامر الذي يمكن تلمسه من المهاترات الهزلية التي نشاهدها عبر الفضائيات ، وبعضها مضحك مبكي.
وفوق ذلك كله تريد الاحزاب الحاكمة والمتحكمة ان تجهض العملية الديمقراطية في العراق بتغير قانون الانتخابات مجددا ، وبدأ طيف واسع يطرح العودة الى القائمة المغلقة ، واعتبار العراق كله دائرة انتخابية واحدة ، وهذا لعمري سيرسخ دكتاتورية الاحزاب المتنفذة ، وينقل العراق من دكتاتورية الفرد الى دكتاتورية الاحزاب ، التي في معظمها اقرب الى الملكيات الشخصية منها الى المؤسسات الحزبية الرصينة .
ومن اجل ترسيخ الديمقراطية في العراق وانجاح النظام البرلماني لابد من اتخاذ خطوات رصينة في انتخابات كانون الثاني 2014 وكما يلي :
1- اعتماد الترشيح الفردي اساسا والغاء فكرة القوائم ، سواءً كان المرشح حزبيا ام مستقلا ، وذلك للحيلولة دون صعود عناصر لم تحصل على الاصوات المؤهلة لعضوية البرلمان ، وذلك من خلال ملئ الفراغات التي تحصل لاحقا على حساب المرشحين المستقلين .
2- الاستمرار باعتماد الدوائر المتعددة والابتعاد كليا عن فكرة الدائرة الواحدة.
3- تقليص عدد اعضاء مجلس النواب بزيادة العدد الذي يمثله كل نائب ، فاذا افترضنا ان نفوس العراق 35 مليون وان كل ناخب يمثل 350.000 شخصا عندها يتكون المجلس النيابي من 100 عضوٍ فقط . او اعتماد معادلة كل نائب يمثل 250.000 شخص عندها يصبح عدد اعضاء المجلس 140 عضوا ، تكون حصة كل محافظة حسب عدد سكانها ، مع اني اميل الى للراي الاول ، وبهذا نضمن صعود شخصيات ذات نفوذ اجتماعي وسياسي واكاديمي ، وعنده تكون المناقشات داخل المجلس اكثر جدية وتتاح الفرصة امام كل اعضاء المجلس للادلاء بارائهم وفي مختلف القضايا.
4- ولتحقيق الغايات النبيلة المرجوة من تطبيق نظام الترشيح الفردي يتعين ترصين اليات واضحة لا تقبل التأويل فيما يخص مبدأ تكافوء الفرص ، ولاسيما فيما يتعلق بالسقف المالي للدعاية الانتخابية ، بحيث لا تغبن المرشحين المستقلين الذي لايمكن باي حال من الاحوال ان تتوافر لديهم الامكانات المالية للاحزاب ، فضلا على ضرورة ان تكون اموال الدعاية الانتخابية خاضعة للرقابة والشفافية ، وذلك لمعرفة مصادرها.
5- تفعيل المادة 65 من الدستور بانتخاب "مجلس الاتحاد" واقترح ان يكون عدد اعضاءه 36 عضوا يمثل كل محافظة عضوان فقط ، بغض النظر عن عدد سكان المحافظة.
وبهذا نكون قد ضمنا الاتيان ببرلمان معبرٍ عن ارادة الشعب العراقي.
مقالات اخرى للكاتب