روى الخطيب الخوارزمي في المناقب (ص45 تبريز ـ 36 ط نينوى طهران) قال : باسناده عن أبي برزة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن جلوس ذات يوم : "والذي نفسي بيده، لا تزول قدم عبد يوم القيامة، حتى يسأله الله تبارك وتعالى عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله مما كسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت .فقال له عمر ، فما آية حبّكم بعدكم؟، قال: فوضع يده على رأس علي (عليه السلام) وهو الى جانبه وقال: ان آية حبي من بعدي حب هذا ، وطاعته طاعتي ، ومخالفته مخالفتي" – رواه كثيرون من كبار الصحابة والرواة ومنهم الخوارزمي في مقتل الحسين (ص42 ط الغري)، والحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد (ج10 ص346 ط مكتبة القدسي بالقاهرة)، والعلامة المولى محمد صالح الترمذي في المناقب المرتضوية (ص99 ط بمبي)، والعلامة الأمرتسري في أرجح المطالب (ص524 ط لاهور)، والعلامة الكنجي في كفاية الطالب (ص183 ط الغري)، والعلامة الذهبي في ميزان الاعتدال (ج1 ص206 ط القاهرة)، والعلامة العسقلاني في لسان الميزان (ج4 ص159 ط حيدر آباد)، والعلامة باكثير الحضرمي في وسيلة المآل ص 122، ورواه الطبري في بشارة المصطفى (ص160) باسناده عن أبي بردة، ورواه السيد أبو طالب في تيسير المطالب (ص73)، ورواه الشيخ الصدوق في الحديث 20 من المجلس العاشر من الأمالي (ص35)، ورواه الخوارزمي بسند آخر في الفصل (6) من مناقبه ص35 وأيضاً في الفصل الرابع من مقتل الحسين (ع) (ج1 ص42)، وعن احقاق الحق: ج4 الباب 220 ص234، وابن المغازلي في المناقب (ص119 ح157)، وغاية المرام (ص261 وب52 و53)، والحافظ ابن عساكر الدمشقي في ترجمة أمير المؤمنين (ع) من تاريخ دمشق (ج2 ص160 ح644 ط1)، والسيد أبو بكر الحضرمي في رشفة الصادي (ص45 ط مصر) وعن ما في الاحقاق ج18 ص356.
لحظات ضئيلة مرت على إعلان نبأ إستشهاد رسول المحبة وخاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجسده لازال لم يورا الثرى، وإذا بهم ينكرون كل المواثيق والعهود التي قطعوها في حجة الوداع بغدير خم على أنفسهم أمام الله سبحانه وتعالى وأمام رسوله الصادق الآمين (ص) وأمام أكثر من 130 ألف حاج؛ ومن قبل وبعد ذلك خلال لقاءاتهم وأحاديثهم وأسئلتهم من خاتم المرسلين (ص) عن كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة، فتجاهلوا أقواله وأحاديثه ووصاياه ،ووقوفه على باب لفاطمة وعلي عليهما السلام وهو يقرأ أية التطهير "ويريد..." لأكثر من ستة أشهر مؤكداً لهم أنهم هؤلاء فقط ولا غير دونهم أهل بيته وخلفائه من بعده.
أجتمعوا في سقيفة "بني ساعدة" تأكدياً على نقضهم أوامر الله سبحانه وتعالى على لسان خير البرية وهو الذي "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) " - سورة النجم، وينكرون عهودهم التي قطعوها أمام رب العالمين وسيد المرسلين (ص) ولآخر ما قالوه في يوم الغدير سنة "بخ بخ لك يا علي أصبحت موالاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.." وإصراراً للعودة الى الجاهلية والقبلية والشرك والضلالة؛ ليقولوا انها كلمة ليست أكثر قلناها في وقتها عندما أراد منا أن نقولها رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بيعتنا لأبن عمه الامام علي بن أبي طالب أميراً للمؤمنين عليه السلام بعد أن نزلت عليه الآية الكريمة 67 من سورة المائدة.
روى أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي عن "تفسير بن كثير" و"تفسير الجلالين" و"تفسير القرطبي" و"تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي" في أسباب نزول الآية رقم (67) من سورة (المائدة)، يقول: "أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصَّفَّار، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المَخْلدِي، قال: أخبرنا محمد بن حَمْدُون بن خالد، قال: حدَّثنا محمد بن إبراهيم الحلْوانِي، قال: حدَّثنا الحسن بن حماد سِجَّادة، قال: أخبرنا علي بن عابس، عن الأعمش، وأبي الحَجَّاب عن عطية، عن أبي سعيد الخُدْرِي، قال: نزلت هذه الآية: {يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ} يوم "غَدِير خُمّ" في علي بن أبي طالب، رضي الله عنه" .
ألم يعلموا أن البيعة إلا كلمة؛ وأن الكلمة كبرت وأصبحت دين في رقابهم؛ وما دين المرء سوى كلمة؛ وما شرف الرجل سوى كلمة؛ وما شرف الله سوى كلمة ؟؛ حتى ينقضوها ما أن يرونه وهو صلوات الله عليه وعلى آله وسلم يحتضر الموت للقاء ربه ويشكلون "سقيفة بني ساعدة" لينكروا عليه (ص) وصيته التي أوصاهم بها مراراً بأمر من الله سبحانه وتعالى وأراد أن ينصها على ورقة لتكون سنداً ووثيقة دامغة لما أخذه منهم يوم الغدير الأغر في حجة الوداع .
"بالكلمة تنكشف الأمة؛ الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة.. الكلمة زلزلة الظالم؛ الكلمة حصن الحرية؛ إن الكلمة مسؤولية؛ إن الرجل هو الكلمة؛ شرف الرجل هو الكلمة.." - من كلام الامام الحسين بن علي عليه السلام لحاكم المدينة الوليد بن عتبة عندما أراد الأخير منه البيعة للطاغية الزاني "يزيد" .
منعوا الرسول الأكرم (ص) في آخر لحظات حياته الشريفة من أن يكتب للصحابة كتاباً لا يضلّوا من بعده أبداً، فصاح ذلك الرجل بمقولته الشهيرة: "أتركوه أن الرجل ليهجر!!" - رواه صحيح البخاري 4 : 85، وصحيح مسلم 3 : 1258، وتاريخ الطبري 3 : 193، والكامل في التاريخ 2 : 320، وتاريخ ابن الوردي 1 : 129، والنهاية في غريب الأثر ج5 ص212، ولسان العرب ج5 ص254؛ و قال أبو عيسى الترمذي - : "هذا حديث حسن صحيح "- سنن الترمذي ج5 ص 37 ؛ ويرى ابن أبي الحديد أنّ الحديث المذكور : "اتفق المحدِّثون كافة على روايته".
لعل سائل يسأل إن كان حديث الغدير والذي نقضه بعض كبار الصحابة صحيحاً لم يحتج به الامام علي (عليه السلام) يوم السقيفة؟!.
الجواب : لم يحتج الامام بحديث الغدير يوم السقيفة، لسبب جلي وبسيط.. وهو انه لم يحضر السقيفة أصلاً ولم يشارك فيها.. بل عزّ على القوم أن يكون بينهم لعلمهم بأن مقاييس أمورهم ستنقلب بوجوده،.. فلقد كان شغله الشاغل آنذاك وهمه الكبير تحضير جنازة أعظم مخلوق، وأجل إنسان، وسيد كل مرسل.. ألا وهو الرسول القائد العظيم وحزنه بفقدانه لا تسعه الأحزان ورزيته بموته الذي هز كيان الأمة الإسلامية جعلته بمنأى عن مآرب الآخرين..
لكن أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) ذكر واقعة الغدير بعد حين في خطبته (الشقشقية) التي قصد فيها تثبيت حقه للمسلمين، وللتأريخ.. فكان له ذلك دون شك أو ريب، بعد أن رأى فرصة إظهار الحق قد تحققت وآن أوانها..( ماذا تعني كلمة (مولاه) في حديث الغدير؟! لعبد الحسين الدعيمي).
مقالات اخرى للكاتب