هل كان المالكي يدعو الى حرب عالمية ثالثة ام الى ولاية ثالثة؟
نستطيع ان نتصور الجوانب التي ركز عليها المالكي في زيارته الحالية لأمريكا من خلال الانتقادات التي وجهت اليه من بعض اعضاء الكونغرس الامريكي , فالزيارة لم تهتم بالشأن العراقي كدولة بقدر ما ركزت على طرح المالكي لنفسه مرشحا لمنصب رئاسة الوزراء العراقية للمرة الثالثة والحصول على البركات الامريكية في هذا الشأن . قد يكون هذا امرا طبيعيا يشكل عام لكن ما حصل في لقاءات المالكي وما اطلقه من تصريحات هناك تشير وبشكل لا جدال فيه ان الرجل يعاني من ازدواجية تصل لحد المرض وإحساس مقزز بالتبعية يجعله منفصلا عن الواقع تماما في بعض الاحيان .
من اهم الخصائص التي يجب على السياسي الحفاظ عليها هي هيبة المنصب الذي يتولاه وهيبة الدولة التي يمثلها في اكثر المواقف صعوبة , والتاريخ يزخر بمواقف كثيرة لساسة ضحوا بمناصبهم من اجل الحفاظ على هيبة دولهم وشعوبهم التي يمثلونها , اما بالنسبة ل (دولة ) رئيس الوزراء العراقي ابو اسراء المالكي فالموضوع يختلف.
فعلى الرغم من انسحاب القوات الامريكية من العراق والاتفاقية الامنية بين الطرفين والتي من المفترض انها بين دولتين مستقلتين يأتي حديث المالكي في معهد السلام الامريكي في واشنطن ليكذب كل هذا ويوضح حقيقة العلاقة العراقية الامريكية التي هي علاقة دولة لازالت محتلة بدولة تحتلها. ففي معرض رده على الانتقادات الامريكية له نسي الرجل بأنه رئيس وزراء دولة ( مستقلة ) وذهب يشطح في كلمته لتظهر كمية الاكاذيب التي يطلقها على الشعب العراقي و الضآلة التي يشعر بها امام امريكا (ولي نعمته) .
عندما يقول (دولة) رئيس وزراء العراق بان الممارسات التي يقوم بها في ادارة الدولة لا تخرج من نطاق الصلاحيات التي خوله اياها الدستور العراقي ( الذي كتبتموه انتم ويقصد بها الامريكان ) فهذا يعني ان الرجل منفصل تماما عن واقعه في العراق , وبان المالكي في واشنطن ليس هو نفس المالكي عندما يكون في بغداد . ففي بغداد .. العراق هي دولة مستقلة تلتزم بدستور استفتى عليه الشعب العراقي كله , بينما في واشنطن .. فالعراق ما تزال تابعة لها دستور وضعته امريكا وما يزال العراق ملتزما به . في العراق .. الاصبع البنفسجي هو الذي صعد المالكي وغيره للسلطة , بينما في واشنطن ...فان امريكا وحدها هي من تصعد اي سياسي للمنصب . في بغداد المالكي يدعي بأنه الكل سواسية امام الدولة والدستور , بينما في امريكا...ها هو يعترف بان الانتقادات التي يتعرض لها بتهميش المكونات العراقية الاخرى سببها الصلاحيات التي منحه اياها الدستور العراقي وهو يتصرف على ضوئها , بمعنى اخر فهو يقر بتهميش السنة والكرد لكنه يلقي باللوم على الجانب الامريكي ( الذي وضع الدستور ) وانه يتحرك ضمن هذه ( الاوامر) التي من المفترض ان تكون مقبولة امريكيا . هكذا دافع المالكي عن اداءه السياسي وبهذه السطحية يتناول وضع دولة من المفترض انها دولة محترمة .
ان دفاع المالكي عن ادائه في هذا المعهد لم يكن يختلف كثيرا عما نراه في جلسات الاستماع التي تجرى في الكونغرس الامريكي لأي موظف في الادارة والحكومة الامريكية .
لم تقتصر الشطحات المالكية في هذه النقاط فحسب بل تعداها ليتناول قضية اراد من خلالها الظهور بمظهر السياسي البارع ويقدم اغراءات سياسية للجانب الامريكي لكنه اخطا في تحديد المكان اللازم لتقديم هذا التفتق الذهني عنده , فمعهد السلام الامريكي ليس المكان الملائم لطرح فكرة حرب عالمية ثالثة سواء كان على الارهاب او حتى على الشيطان فهو معهد قومي غير حزبي هدفه المعلن هو منع وحل الصراعات والعنف الدولي وليس اذكائها مع ان المالكي بالتأكيد لم يكن يعني حربا عالمية ثالثة على الارهاب بقدر ما كان يعني من وراءها تأييدا لولاية ثالثة له في العراق .
ان زيارة المالكي الاخيرة لأمريكا اثبتت بما لا يدع مجالا للشك بان (كريندايزر) العراق ما هو سوى ( سنفور) جاهل بأدق ما يفترض ان يتمتع به رجل الدولة الناجح من مؤهلات .. رجل الدولة الذي يرى قوته من قوة دولته وعزتها وكرامتها عكس ما يعيشه العراق من دمار وخراب وقتل منذ بداية حكم المالكي ولحد يومنا هذا.
مقالات اخرى للكاتب