ساحاول هنا أن اتجرد قليلاً من منهجي البحثي لأضع هذا المقال بشكل اكثر تبسيطاً، فلعل أكثر ما يثير الاستغراب هو ذلك الصمت الموحي بالخنوع، فحين يستمر الارهاب بذبح الامة وهو يبحث عن المزيد من الضحايا، وحين تستمر السلطة بإجترار فشلها، ومحاولات تبرير هذا الفشل بكل المفردات اللغوية التي لم تعد تنفع في تحديد المعنى، مستعملة لأجل ذلك عملائها ووكلائها وإعلامييها من كل الاصناف، من مدعي اليسار ومدعي الثقافة إلى مدعي الدين بعمائمهم التي ظهرت مؤخرا هنا وهناك، وحين تستمر الامة بصمتها المقيت متذرعة بنظرية الظلم. فانها تخنق نفسها باصابعها.
كلي ثقة لو أن الحسين عليه السلام كان من أمة بني إسرائيل لصار اليهود المعاصرون بمفاهيم الحسين أسياد الدنيا لانهم سيعلمون قيمة ثورته وقوتها في تغيير حركة التاريخ، ولو كان الامام الحسين (ع) في امة عيسى (ع) لكان النصارى المعاصرون حكام كل بقاع الارض بقيم الحسين الثورية ومفاهيمه في مقارعة الظلم.
فما بال هذه الامة لم تتعلم من الحسين عليه السلام قيم الثورة؟ لماذا لم تتعلم من الحسين ان تنتصر بدمائها، أن يحمل ابنائها اسلحتهم ويقودوا ثورة ضد طغيان الحكام والسلطات والعابثين من الوزراء والنواب والمرتشين وتجار الحروب وغيرهم؟ لماذا لم يتعلموا من الحسين (ع) أن يحاربوا الظلم والقهر والارهاب؟ لماذا لايكونوا ثواراً؟
فبدلاً من ان يلبسوا اكفانهم ويحملوا سيوفهم ليشجوا بها رؤوسهم باسم الحسين (ع) فليقاتلوا اعدائهم باسم الحسين، وليحرروا انفسهم باسم الحسين، وليحرروا اوطانهم باسم الحسين (ع)!!
إذا كانت هذه الامة تستمتع بالالم ومصابة بالمازوشية فلماذا لاتستعملها لتحارب الظلم والفقر والقهر والارهاب؟
لماذا لا يقوم من يسمون أنفسهم برجال الدين بقيادة الامة للقيام بالثورة ضد الظلم والفساد؟ أليس الحسين نموذجاً واضحاً؟ ألا تمتلي كتبهم بالاحاديث عن مقارعته للظلم الاموي، ألم يكتب الشعراء مئات الالوف من القصائد عن كفاح الامام الحسين (ع)؟
فهل يمكن ان يكون الحسين نموذجاً تاريخياً للثورة على كل ما هو سلبي لتبقى ثورته في طيات الكتب ولا تصلح للتطبيق؟ فان قلتم انها ثورة للامة فكونوا ثواراً مثل الامام الحسين (ع).
الحسين قاتل وهو عطشان وأنتم تبكون عليه وأنتم متخمون بكل انواع الطعام، وتتباهون بحجم الموائد والمجالس، أنا لا اقول لا تبكوا عليه فالبكاء تعبير عن الحب والفقدان، ولكن كي تحققوا نظريته وطروحاته فكونوا مثله، وثوروا مثله، وحاربوا بانفسكم وأموالكم وعوائلكم مثله تماماً كما فعل في ثورته ضد الظلم، فلماذا يتنادى الخطباء على المنابر وتكتب الكتب بضرورة إتباع منهج الحسين ثم لا تتبعوه؟
هذه الامة مصابة بانفصام في شخصيتها، وهي تفتقر الى الوعي بحقيقتها وصيرورتها، هذه الامة تحتاج الى ثورة تنفض بها عن روحها ونفسها هذا الخمول والذل ببقاء الفساد والارهاب طوال هذا العقد دون ان تحرك ساكناً.
قبل ان أنتهي من مقالي هذا، أذكركم بتاريخ الامم الماضية، فكل أمة رضيت بالخنوع سارعت في إغتيال نفسها، كل أمة اصابها الخنوع كما انتم الان فانها تنتحر بابشع الصور.
قد أكون قاسياً، نعم اعترف بقسوتي هنا لاني خضت التجربة وإكتشفت سقوط هذه الامة في وحل القناعات السلبية منذ عصور طويلة.
مقالات اخرى للكاتب