هل يمكننا أن نعرّف السياسة بأنها مهارات تحقيق السعادة؟
قد يبدو السؤال غريبا , لكنه يمتلك رصيدا معقولا من الواقعية ويستحق النظر والتفكير.
فالمجتعات السعيدة عندها أنظمة سياسية مستقرة , وساسة مرموقون يجيدون فنون الإرتقاء بمجتمعاتهم إلى حالات متقدمة ومتواكبة مع زمنها , وربما متقدمة عليه.
والمجتمعات التعيسة , لا تمتلك أنظمة سياسية واضحة ولا يوجد فيها ساسة محنكون قادرون على أخذها إلى آفاق التقدم والنماء.
فالمجتمعات العربية برغم ما عندها من الثروات , تتميّز بسيادة التعاسة والمآسي والويلات , وقلة الفرح وإنعدامه في بعض المجتمعات التي تستلطف الحزن واللطم على الأموات والتغني بما فات.
مجتمعات فيها كل ما تحتاجه لتحقيق السعادة , لكنها لا تعرفها ولا تقترب منها , ومنشغلة بالصراعات الفتاكة , وبإستحضار أسباب ومولدات الحسرات.
وهذا يشير إلى أن أهم سبب في هذه المعادلة الدامية هو غياب المهارات السياسية , وفقدان البوصلة الوطنية الإجتماعية , وعدم وجود الحنكة السياسية والنظريات التي يسترشد بها القادة في الحياة.
وعليه فأن الجهل السياسي يؤدي إلى التعاسة , والمعرفة السياسية والفهم المعاصر لمهاراتها ونظرياتها يساهم في بناء السعادة.
ولهذا فأن الكثير من المجتمعات برغم محدودية ثرواتها ومصادرها , لكنها إستطاعت أن تبني مجتمعات سعيدة , ومن هذه المجتمعات الصين واليابان والكوريتان.
بينما المجتمعات العربية غنية بثرواتها وتأريخها وتراثها لكنها تتميز بتعاسة واضحة , ويعشعش القهر والحرمان والإستلاب في أركانها.
وهذا يشير بوضوح إلى أن العيب الأساسي يكمن في المهارات السياسية , وليس بغيرها.
فقد يقول قائل ما يقول عن الشعب العربي , ويحلل ويستنتج ويأتي بنظريات وتفسيرات وما يشاء من الرؤى والتصورات , لكنه ينسى بأن المشكلة الحقيقية أصلها في غياب النظام السياسي الناضج الصحيح المناسب , القادر على تحقيق السعادة الإجتماعية والوطنية , التي نراها واضحة على قسمات الوجوه الصينية واليابانية والكورية , وأبناء المجتمعات المتقدمة.
بينما لا نرى هذه الملامح على وجوهنا , رغم الثراء الطبيعي والغنى الفاحش قي بلداننا المحكومة بالنفط , والذي عجزنا عن إستثماره من أجل سعادتنا , وإنما حققنا بواسطته أعلى درجات التعاسة الممكنة في حاضرنا ومستقبلنا.
فساستنا وأحزابنا وحركاتنا خبيرة في إرساء دعائم المشاريع المولدة لمزيد من التعاسة والعناء , ولا يوجد نظام حكم في بلداننا يتكلم بلغة الفرح والسعادة والأمل , وإنما جميعها تتحدث بمفردات التهديد والوعيد والخراب , والتعذيب والحرمان والقتل والتغييب في المعتقلات والسجون.
وهي تسعى بجد ونشاط من أجل تعويق حركة الناس وأسرهم في أصفاد الحاجات المتفاقمة , وتسمي هذه الأساليب التعسفية سياسة وحكما , وهي إمتهان وتفريق وتبديد للطاقات , ومحق للبشر الذي لا يمكنه أن يكون سعيدا.
ويبدو أن من حقنا أن نحكم على أنظمة الحكم في بلداننا وفقا لمقياس السعادة والتعاسة , فإذا كانت السعادة سائدة في المجتمع فهي مقبولة وناجحة , وإذا كانت التعاسة متفوقة فأن عليها أن تعيد النظر بسياساتها وتبتكر مشاريع سعادة وطنية ناجحة.
وأملنا أن نتعلم كيف نحقق السعادة لجميع أبناء البلاد , وعلى الشباب المعاصر المتنور المواكب , أن يساهم في إرساء البنى التحتية لسعادة الحاضر والمستقبل.
ويبقى الأمل حاديا متألقا وواثقا بأن الشمس تشرق والصباح يأزف والحياة تتجدد , وتحقق إرادتها الورفاء الزاهية الجميلة الحسناء!!
مقالات اخرى للكاتب