ربما كانت الأقطار الخليجية الأكثر تنوعاً في مواردها الاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى تعزيز قوة أوضاعها المالية في مواجهة الرياح الخبيثة التي عصفت بأسعار النفط، فلم يتأثر اقتصادها كثيراً بسبب قيامها بضخ الاستثمارات الخاصة في مجالات البنية التحتية والسياحية، والبناء والتشييد والقطاع المالي، والقطاع الرياضي. بينما ظهرت أعراض الضعف والإرباك في سياسات بعض الأقطار العربية، وفي مقدمتها العراق، الذي اختار الاعتماد الكلي على ريع حقوله النفطية، من دون أن يلتفت إلى تعظيم موارده المحلية الأخرى.
لقد أدركت تلك الأقطار منذ زمن بعيد أهمية تسلقها سُلَّم المجد عن طريق تنويع مصادر انتاجها، ومعالجة التشوهات الاقتصادية، فسارعت إلى فرض استقلالية القطاع الخاص، وفصله عن القطاع الحكومي. ناهيك عن تفعيلها مشاريع تنويع مصادر أموال الدولة تمهيداً للتخلص من سطوة النفط والتحرر من قيوده.
مما لا ريب فيه أن الأقطار الخليجية (باستثناء العراق) تمتلك من الاحتياطات المالية الفائضة ما يمكنها من تعويض خسائرها الحالية الناجمة عن انهيار أسعار النفط، فقد حرصت كل الحرص على إذخار احتياطات مالية هائلة، تقدر بحوالي (2450) بليون دولار، تراكمت في خزاناتها في السنوات الماضية. في حين لجأ العراق إلى حصر إيراداته بالعوائد النفطية، بنسبة تصل إلى 90%، وهي نسبة مخيفة جعلت من النفط هو القاطرة المرهقة، التي تكفلت وحدها بجر عربات الاقتصاد الوطني نحو المنخفضات المرعبة، الأمر الذي جعل من تذبذب أسعار النفط مؤشراً لتدهور أحوالنا المعيشية، فارتبط مستقبلنا بخيوط ضعيفة مرتبطة بتقلبات أسعار الذهب الأسود.
من هنا يتضح لنا الفارق الكبير بين اقتصاديات الخليج بصورته المشرقة، وبين اقتصاديات العراق بصورته الضبابية، فقد استثمرت الأقطار الخليجية عوائدها النفطية في خلق اقتصاد مزدهر، يعتمد كليا على احتياطيها النقدي الفائض، وبالتالي فإنها صارت تمتلك القدرة على الصمود بوجه التحديات الطارئة، ولن يؤثر انخفاض عوائد النفط على حياة شعوبها، لكنه سيترك تداعياته المستقبلية على مشاريعها الاقتصادية الموازية.
لو اخذنا - على سبيل المثال لا الحصر - اقتصاديات الامارات وقارناها باقتصاديات العراق، لظهر لنا البون الشاسع بين التجربتين المتناقضتين، فقد تصدرت الامارات قائمة الأقطار، التي تسلقت (سلم المجد) نحو قمة التحضر بالاعتماد على عوائدها النفطية، بينما ظل العراق أسيراً ضعيفاً لتلك العوائد المتذبذبة، فوضع (سلم الرواتب) لكي يهبط بالمواطن نحو محطات الترشيد والتقشف، آخذين بنظر الاعتبار شيوع الفساد في معظم مرافق الدولة، وتدهور مشاريعها الزراعية والصناعية والتجارية والاستثمارية. بمعنى أن العراق يحتاج إلى معجزة كونية يسترد بها عافيته، وينعش بها اقتصاده، ويضمن بها استقرار أحواله المعيشية. والحديث ذو شجون.
مقالات اخرى للكاتب