لو بحثنا انواع الحكومات التي مرت على العراق ,في جميع العصور ومنذ رسول الله "ص" ستجدها حكومات ليست شيعة , وخالصة لغيرهم ولاءاً و رئاسةً ووزارة , ولايوجد اي دور او بصمة شيعي فيها , باستثناء حكومة امير المؤمنين علي بن ابي طالب "ع" التي لم تدم الا نصف عقد, والتي بعدها تم محاربة ودثر هذا الوجود .
تغييب الدور الشيعي في الحكومات , هو ليس فقط لتهميش تلك الرئاسات والملوك لها , وانما نتيجة التحفظ من شرفاء الشيعة وصلحائهم من الاشتراك في فساد تلك الحكومات , وكي لايكونوا عون لبلاط الملوك في ظلم الابرياء, او الخوف من السقوط في فخاخ السلاطين , وتكون هذه حجية او وسيلة سانحة لاصطيادهم وتصفيتهم , ولكن هذا الابتعاد وعدم التصدي للمناصب ,ايضا يجعلهم في مرمى المسؤلية , ووجوب الدفاع عن الحقوق المسلوبة , وهو نوع من انواع الجهاد والنضال السياسي ,البديل للكفاح المسلح , عند عدم القدرة على القيام بالثورات , (وهذا الاشكال هو سبب الدفع بمن نصفهم بالصالح للاشتراك في حكومة اليوم وحتى الدفع ببعض المعممين من الحوزات الدينة , كي لايترك المجال للفاسد والحد من توسعه , في ظل انسحاب المؤمنين ,تحت عذر الحكومة فاسدة) .
فأول دخول للعنصر الشيعي والتصدي للمنصب كوزير في حكومة فاسدة ,كان هو بزمن الخليفة الفاسق هارون الرشيد , من قبل علي ابن يقطين , وبتفويض واجازة من الامام المعصوم الكاظم "ع" , ليكون عينا ونائبا للشيعة , إذ أراد الإمام "ع" ان يقدم للامة الأطروحـة العمليـة فـي مواجهة الظلم ومقاومة نفوذه بما يتّفـق وظـرو ف تلـك المرحلة، وبما ينسجم مع مسؤولياته الرسالية في النـصح وتسديدها عند اشتباه الحقّ والتباس معـالم الهـدى والصلاح، وكان على الامة بعد هـذا أن تختـار لنفـسها المصير الذي تشاء: فإما الاستجابة والعمل وبذلك تنتـصر لرسالتها وحقّها في الحياة الكريمة، واما الرضا والخنـوع للواقع المعاش، وبذلك تكون قد فرضت علـى نفـسها أن تعيش تحت ظلّ القمع والظلم والإرهاب بعيداً عن رسالتها.
ومن هنا بدأ منهاج للشيعة جديد , وهو ادخال الدين في السياسة وتنصيب السياسة عين الدين , بعد ان ابعد الدين عن الحكومة وادارتها منذ زمن معاوية , وهو اول سياسي فصل الدين عن الدولة بقولة (ما للحسن والسياسة ), وتفعيل السياسة في ما يخدم الناس , في قضاء حوائجهم ودفع الضرر عنهم , ويكون السياسيين مظلة ووقاء من بطش السلاطين , وهو السبب الذي جعل الامام الكاظم "ع" يشرك ابن يقطين في الحكومة , بعد امتناع الشيعة من الشراكة في الحكومات التي سبقتها , وقد دخل الشيعة بقوة في الحكومات التي توالت عهد العباسيين وصولا الى يومنا هذا .
من المقدمة نتذكر ان الحكومة وان كانت فاسدة ,فهذا لايبرء ذمة المؤمنين من التصدي للمسؤلية , ان ملك الارادة كما اليوم , تحت ذريعة كلها فاسدة , بل العكس تكون مسؤليتهم اكبر فهم حملة شعار (من رى منكم منكرا فليغيره بيده ) و(سياستنا ديننا بما يخدم الناس ) , وخاصة بعد ان اصبح باب التصدي للوزارة او القيادة سانح ومشروع عبر صناديق الاقتراع والتبادل السلمي للسلطة .
مقالات اخرى للكاتب