سويسرا مرشحة لأن تكون أول دولة شيوعية في العالم، ولكن من دون دكتاتورية البروليتاريا، بخلاف ما تنبّأ به كارل ماركس وعمل له فلاديمير اليتش لينين.. هدف الشيوعية إقامة مجتمع يحيا على قاعدة "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته"، وهذا ما يتوقع ان يكون في سويسرا قريباً في ما يبدو.
منذ أسبوعين وقفت أمام مقر الحكومة السويسرية في العاصمة بيرن شاحنة حملت عشرات الصناديق التي ضمَّت ما مجموعه 126 ألف توقيع تُدعِّم مبادرة شعبية تسعى إلى وضع دخل أساسي غير مشروط لجميع مَن يقطن في البلاد.
وبحسب الدستور السويسري، يحق لأي مواطن التقدم بمبادرة شعبية يتم طرحها للتصويت العام لإقرار قانون جديد أو تعديل قانون قائم، بشرط أن يجمع 100 ألف توقيع تؤيِّد مبادرته. ولن تأخذ المبادرة قوة القانون إلَّا إذا نالت موافقة أكثر مِن نصف المصوتين في البلاد وأكثر مِن نصف عدد المقاطعات السويسرية الـ 26.
المبادرة تقترح منح 2500 فرنك سويسري (2800 دولار أميركي) شهرياً لكل مواطن ولكل مقيم في البلاد بصورة مشروعة، سواء كان يعمل أم لا، فقيراً أم غنيَّاً، بصحة جيدة أو مريضاً، يعيش وحده أو مع أسرته.
اصحاب المبادرة، وبينهم وزير سابق، ما كانوا سيتقدمون بها لولا معرفتهم بإمكانية تحقيقها على ارض الواقع، فسويسرا أغنى بلد في العالم وشعبها أكثر الشعوب رفاهية، ومستوى الدخل الفردي هو الأعلى. وسويسرا بلد صغير جدا تبلغ مساحته 41 الف كيلو متر مربع ، اي أقل من 10 بالمئة من مساحة العراق، وعدد سكانها حوالي 8 ملايين نسمة، اي بقدر ربع سكان العراق تقريباً. وسويسرا ليس فيها نفط ولا غاز ولا بحر، وكل رفاهيتها ومدنيتها وتحضرها متأت من إنتاج الجبن والتشوكلاتة والصناعات الالكترونية وبخاصة الساعات، والتسهيلات المصرفية والسياحة.
المبادرة ستقلب النظام الاجتماعي السويسري رأساً على عقب، فبدلاً مِن الشبكة الاجتماعية التقليدية الواسعة في البلاد، كصندوق مدفوعات العاطلين عن العمل، وصندوق المعوقين، وصندوق المتقاعدين، ومكاتب المعونات الاجتماعية، وصناديق قروض الإسكان وغيرها، فالدولة ستدفع لكل شخص راتباً ثابتاً سيؤهله للعيش به فوق ما يحصل عليه من عمله، ولن يحتاج بعد ذلك للتوجه إلى الصناديق الاجتماعية في حال عطالته عن العمل أو إصابته بعائق يمنعه عن العمل جزئياً أو كلياً.
المبادرة ، كما يرى أصحابها، ستقضي على الفقر وتساعد على محافظة سويسرا على مكانتها بين الدول الأغنى في العالم حسب نصيب الفرد من الدخل، وستستقطب العقول والكفاءات من مختلف العالم، وتسمح للسكان بالعيش في حياة كريمة، وتمنحهم الأمن النفسي والاجتماعي، وترفع من انغماس الناس في الحياة العامة كارتياد المسارح، والمطاعم، وتزيد من توجههم نحو اكتشاف الحياة الإبداعية كالتركيز على الفنون، وغير ذلك.
لست في وارد الدعاية لسويسرا ونظامها السياسي – الاقتصادي – الاجتماعي، ولا لهذه المبادرة، وانما أريد أن أخلص الى ان العراق كان يمكنه، ويمكنه اليوم، أن يكون الدولة الشيوعية الأولى في العالم على الطراز السويسري الذي تقترحه المبادرة. لكن لهذا شرط وحيد هو وجود حكومة وطنية شريفة، كحكومة سويسرا، تبرع في استثمار نفط العراق وغازه وفوسفاته وثروته الزراعية وعقول أبنائه، لجعل مستوى دخل العراقي في مستوى دخل السويسري وأكثر.
أين هذه الحكومة؟
مقالات اخرى للكاتب