حين نتعرض لشخصية الامام علي (ع) فلابد لنا من الخشية بشيء في ان نخفق في تغطية الجزء اليسير من تاريخه وتراثه الفكري والمعرفي هذا الارث الانساني الكبير الموسوعي الشامل. حين يتطرق احدنا لاي موضوع او يدخل في نقاش مع مجموعة حول هذه الفكرة او تلك.. فلا بد ان يحظر في دواخله الامام علي (ع) وذلك لما له وبخاصة لمن تابعه واطلع على فكره وعطاءه.. من موسوعية وتنوع وشمول فما ترك حالة او علة او مسألة الا ووضع بصماته عليها وبت فيها.. فهو (ع) رجل الاقتصاد ورجل الاجتماع ورجل الحرب ورجل السلام فما للذين يتمشدقون بحبه مدعين بأنه المثل الاعلى لا يتشبثون بقيمه وافكاره ويستنجدون بدواءه الشافي..؟!! في هذه الايام الساخنة والتي تسخن فيها الارض يوما بعد يوم تحت اقدام الطغاة المارقين الذين قرر التاريخ ان لا مكان لهم غير مزبلته هؤلاء الذين يرومون اعتقال الشعوب وتكبيل حرياتها بسلاسل من نار.. تنبثق هذه الايام وتتردد مفردة (الحرية).. فالشعوب حين التمست وتذوقت طعم الحرية ادركت ان عليها وبيدها القرار الحاسم الذي سيعينها التاريخ على اقراره والذي خلاصته (اما الحرية واما المارقين والقتلة) فوجودهم والحرية على طرفي نقيض..!! لعل ما يتجسد امامنا من مثل راقية هو ما ننهله من معين الامام علي (ع) والذي يعتبر ابلغ واعلى ما قيل في حرية الانسان.. فحين توجه اليه احدهم بالسؤال : (لم تعبد الله..؟!) وبعد ان طلب من السائل الجلوس رفع يديه الى السماء وبكل ثقة وثبات قال : (اللهم اني جئتك عابدا لا خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكني وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك..) لو استلهمنا وسبرنا اغوار هذا الخطاب الثاقب والبليغ لاكتشفنا ان ما يريد ان يجسده الامام (ع) ويؤكد عليه هو الحرية... فلو لم تكن الحرية هي من اولويات خلق الانسان ووجوده وهذا ناتج بالطبع من ارادة الله سبحانه وتعالى.. لو لم تكن هكذا لما تشبث بها الامام علي (ع) ليؤكد على نفي ان يكون الخوف او الطمع هما الدافع لعبادة الخالق سبحانه ولكنها القناعة في اهلية الخالق للعبادة.. ما بنا لا نستلهم كل قول قاله.. وكل خلق تمثله.. ففي كل ما قال وفي كل ما فعل كان يطمح وبقدر ما يطمح لحريته وكرامته .. لحرية وكرامة الرعية واحقاق الحق وازهاق الباطل.. هذا الباطل الذي اول ما يداهم في قرصنته الشريرة (حرية الانسان).. ان المفكرين والمنظرين والعباقرة حين يستذكرون هذا الشاخص العظيم فأنهم لا يستذكروه لاجل الاطراء والمديح ولكن لاجل الاسترشاد بقيمه ومفاهيمه وثوابته.. فهو الذي رسخ المفاهيم والمفردات التي تكرس حرية الانسان وحتى في تفاصيل حياته اليومية. فلندلوا بدلونا ونرتشف ولنتعلم ما الذي تعنيه الحرية بالفعل لا ان نأتي بتعاريف جاهزة و (على المقاس) ثم نضع هذا الرمز وذاك العلم وهذا الشاخص مجرد دروع تقينا من هذه العبوة وتلك المفخخة..!!
مقالات اخرى للكاتب