صدر في يوم 8/1/2014 امر القاء القبض على الصحفي والاعلامي المعروف السيد سرمد الطائي الذي يعمل في صحيفة المدى البغدادية ، كما انه معروف على مستوى الاعلام المرئي والمكتوب ايضا خاصة بعد ان عاد من ايران الى العراق عقب سقوط النظام الدكتاتوري ومن المساهمين في انتفاضة اذار/شعبان 1991 .
وقد يكون من المفيد في خضم هبوب الرياح والعواصف السياسية والامنية والانتخابية التي تهب من مختلف الجهات وعلى مختلف الجهات ، المناقشة الهادئة قانونيا وحقوقيا لأمر القاء القبض هذا من زاويتين :
اولا: الجانب الشكلي لامر القاء القبض : حسب ( قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 ) فإن المادة رقم 16 التي تلزم المحكمة بتضمين ورقة التبليغ مايلي من المعلومات :
- اسم طالب التبليغ ولقبه وشهرته ومهنته او وظيفته
- اسم المطلوب تبليغه ومهنته او وظيفته وموطنه (محل اقامته)
- اسم القائم بالتبليغ وتوقيعه .
- المحكمة التي يجب الحضور اليها واليوم والساعة الواجب الحضور فيهما .
فماذا سجل في ورقة القاء القبض على السيد الاعلامي سرمد الطائي
أ : لم يسجل طالب التبليغ على ورقة التبليغ ولا اي حرف من اسمه وهذا خلل معيب
ب : سجل اسم السيد سرمد ، دون اسماء الاب او الجد كما هو المطلوب في نص ورقة التبليغ تلافيا لما يمكن ان تكون الاسماء متشابهة فيلقى القبض على العشرات ، وهذا نقص ومن العيوب الشكلية عدم استكمال المعلومات بل ذكر الاسم واللقب فقط .
ج : ان ورقة التبليغ غافلة عن ذكر مهنة المطلوب تبليغه خلاف ما مطلوب قانونا .
د :لم تذكر اوصاف المطلوب تبليغه خلافا لما هو مطلوب قانونا كذلك .
فهل يجوز اصدار امر القاء قبض اي دعوة لحجز حرية اعلامي بهذه العيوب التي اوردناها ؟؟؟من سلطة قضائية يفترض دقتها في التعامل مع مقتضيات تطبيق القانون مع العراقيين ؟؟؟ خاصة ان الموضوع يتعلق بالقاء قبض على متهم !!! ومسائلته قانونيا
في نفس السياق لو طالعنا المادة 27 من القانون نفسه فهي تنص على:
( يعتبر التبليغ باطلا اذا شابه عيب او نقص جوهري يخل بصحته او يفوت الغاية منه . )
وهنا نقول ان النقص جوهري من جوانب عدم استكمال اسم المطلوب تبليغه فيحصل التشابه بالاسماء بالضرورة لعدم توفر اسم الاب والجد والام والمهنة والأوصاف حيث يمكن ان يلقى القبض على العشرات باسم سرمد الطائي ؛ لذلك فاستنتاجنا هو بطلان امر القبض لهذه العيوب الشكلية والجوهرية .
ثانيا : اما الجانب الموضوعي فإن لنا حوله 3 ايضاحات
1- : حسب ما ذكر في ورقة القاء القبض على السيد سرمد الطائي تهمة تتعلق بالمادة 229 عقوبات . فماذا تنص المادة 229 من قانون العقوبات العراقي ؟ والتي ادرجت تحت الفصل الثاني تحت عنوان(( الاعتداء على الموظفین وغیرھم من المكلفین بخدمة عامة)).
نص المادة 229
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتین أو بغرامة لا تزيد على مائتي دينار كل من اھان أو ھدد موظفا أو اي شخص مكلف بخدمة عامة أو مجلسا أو ھیئة رسمیة اثناء تأدية واجباتھا بسبب ذلك. )
ومناقشتنا لهذه التهمة الموجهة الى السيد سرمد الطائي – بعد ايضاحنا للعيوب الشكلية التي تجعل التبليغ باطلا من الاساس بحكم القانون نفسه – انها تتعارض مع العديد من المعايير الدولية والدستورية ، كذلك القانون العراقي مثل قانون حرية الصحفيين التي تتناسق كثير من مواده مع مباديء حقوق الانسان بخصوص حرية التعبير موضوعيا .
فعلى سبيل المثال فإن المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان تنص
((لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية)).
وكذلك تنسجم المادة 38 من الدستور العراقي مع حق الانسان في حرية التعبير وابداء الرأي والنشر حيث ورد فيها :
تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:
اولاً :ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً :ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
لذلك لا يمكن الحديث عن القذف والتشهير وما يتم مناقشته من موضوعات عامة من قبل الصحفيين او الساسة او الناشطون المدنيون او غيرهم في وسائل الاعلام مكتوبة او مسموعة او مرئية ، ما دامت لم تخالف النظام العام والاداب العامة التي هي ايضا محكومة بحدود مخالفة القوانين والانظمة والتعليمات حسب تعريفنا للنظام العام والاداب العامة
ولو راجعنا قانون حقوق الصحفيين لسنة 2011 التي اصبحت مواده المقياس العام لعمل الصحافة والاعلام وهو الفضاء الصحفي الواسع والذي يجب ان لا يقيد الحرية فيه إلا بأفق معيار الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 والدستور العراقي ، وهكذا اوضحت المادة الثانية الهدف من القانون كالتالي :
(( يهدف هذا القانون إلى تعزيز حقوق الصحفيين و توفير الحماية لهم في جمهورية العراق)).
اما المادة الخامسة منحت الصحفيين حق عدم التعرض الى الضغوط التي تجعلهم يكتبون ما يفرض عليهم من آراء ووجهات نظر حتى اذا كان ذلك بطرق غير مباشرة :
• ((المادة -5- أولا: للصحفي حق الامتناع عن كتابة أو إعداد مواد صحفية تتنافى مع معتقداته وآرائه وضميره الصحفي.
ثانياً: للصحفي حق التعقيب فيما يراه مناسباً لإيضاح رأيه بغض النظر عن اختلاف الرأي والاجتهادات الفكرية وفي حدود احترام قانون. ))
وهكذا فإن المعايير الحقوقية لحرية التعبير دستوريا وقانونيا قد تم النص عليها وحمايتها ، وفي نفس السياق جاء منطوق المادة الثامنة من القانون على عدم جواز مسائلة الصحفي عما يبديه من آراء حيث ورد في المادة -8- ( لا يجوز مساءلة الصحفي عما يبديه من رأي أو نشـر معلومات صحفية ....).
• بعد ان اوردنا وبينا المعايير الدولية والدستورية حسب النصوص اعلاه ، اضافة الى قانون حقوق الصحفيين الذي يعتبر القانون الخاص وحسب القاعدة القانونية ( القانون الخاص يقيد العام ) نأتي الى تحليل التطابق الموضوعي للتهمة ، دون ان ننساق لاحتمالات اصدار اوامر القاء القبض لدوافع اخرى كالسياسية او هيمنة السلطة الادارية ونزعاتها الخاصة لتوجيه الرأي العام بسياساتها ومواقفها ...او غير ذلك .
• وبالتالي كما اوردنا اعلاه نص المادة 229 من قانون العقوبات العراقي التي يمكن بيان عناصرها بالشكل التالي
• اولا : العقوبات :الحبس لا تزيد عن سنتين او غرامة لا تزيد عن مائتي دينار .
• ثانيا :التهمة : ((كل من اهان اوهدد موظفا او اي شخص مكلف بخدمة عامة او مجلس او هيئة رسمية .....))
• فهل جرى اهانة او تهديد من قبل السيد الطائي لاحد ، ؟؟ أم إنه يقدم وجهة نظر وآراء عبر نشر المقالات او التصريحات ؟؟؟!!! .
• لم نجد في قانون العقوبات العراقي تعريفا لجريمة النشر انما قد عنون الفصل الثالث من قانون العقوبات العراقي باسم( المسؤولية في جرائم النشر ) .
• ومن الملاحظ والهام جدا التذكير بان سلطة الائتلاف قد اصدرت الامر المرقم 7في 10 حزيران 2003 القاضي بعدم اقامة الدعاوى عن المواد التي تتعلق بجرائم النشر اي التهمة المنسوبة الى السيد سرمد وهي من المادة 81الى المادة 84 مع مواد اخرى من ضمنها المادة التي اتهم بها السيد الطائي وهي 229 عقوبات .
• نعود الى تحليل التطابق المفترض ان تقوم به السلطة القضائية قبل اصدار امر القبض ما بين افتراض الفعل الذي قام به السيد الطائي - القذف والتشهير- عبر نشر مقلاته وآرائه في وسائل الاعلام المكتوبة او المرئية من جانب والجانب الثاني المادة القانونية التي احيل بموجبها الى القضاء 229 وعلى اساسها تم اصدار امر القاء القبض عليه .
• كما هو واضح لكافة القراء من الذين قرأوا امر القاء القبض المنشور في مواقع الكترونية عديدة بنص التسلسل 5 بعد تسلسل 4 عن المهنة ( الجريمة والمادة المسندة اليه : قذف وتشهير وفقا للمادة 229)
• وبالمقارنة مع نص المادة 229 التي تقرر العقوبة على أساس ان موضوع الجريمة في قانون العقوبات تحت عنوان الفصل الثاني: الاعتداء على الموظفین وغیرھم من المكلفین بخدمة عامة
( كل من أهان او هدد موظفا ....) لم نجد تطابقا بين نص المادة المتهم بها السيد الطائي موضوع القذف او السب بل وردت في فصل ومواد اخرى كالمادة 433 وما بعدها في فصل خاص بعنوان القذف والسب وافشاء الاسرار من قانون العقوبات العراقي.
الاستنتاجات
1- الارتباك الواضح في اصدار مذكرة القاء القبض بحق الاعلامي سرمد الطائي شكلا الى حد البطلان قانونا لخلو الامر من المعلومات الاساسية .
2- عدم تطابق المادة 229 عقوبات مع تهمة القذف والتشهير فهذه المادة لها علاقة بإهانة الموظف وتهديده اما تهمة القذف فيتم تكييفها وفق المادة 433 . مع التذكير ان سلطة الاتلاف قد منعت حينها اقامة الدعاوى عن النشر بالامر رقم 7 بما فيها المادة 229 .
3- ان المعايير الدولية وحسب الدستور العراقي ايضا ، اضافة الى قانون حقوق الصحفيين يفتح الفضاء الواسع لحرية الرأي والتعبير كاحدى اعمدة الديمقراطية وان متابعة الصحفيين او الاعلاميين عما يبدون من آراء او وجهات نظر في شؤون البلاد يخالف المعايير الدولية والوطنية والقانونية العراقية والحق في حرية التعبير .
5- ان اصدار الامر بألقاء القبض المرقم 1881-1-2-2014 في 8-1-2014 باطل شكلا حسب قانون المرافعات المدنية وكان على السلطة التي اصدرت الامر ان يكون لديها الملف الكامل عن الفعل الجنائي المتهم به السيد سرمد الطائي مع مطابقتها الفعل والمعلومات عن المتهم من حيث الاسم الرباعي والمهنة ...الخ ولا يتم اصدار امر القاء القبض بنواقص اساسية علما انه اعلامي معروف فكيف تسجل المهنة لا يوجد ؟؟؟ او الاوصاف لا توجد؟؟؟
6- واستنادا الى افتراضنا بعدم توفر ملف فعلي عن التهمة الموجهة الى الطائي تم توجيه التهمة وتكييفها وفق المادة 229 التي لا تتطابق مع فعل القذف والسب وقد تم منع رفع الدعاوى على اساسها من قبل سلطة الائتلاف منذ 2003 لعدم مطابقتها مع الحريات العامة التي هي احدى اعمدة النظانم الديمقراطي .
على اساس ما تقدم ندعو الى :
أولا: احترام كافة النصوص الدستورية والاجراءات القانونية في اطار الحق في حرية التعبير من قبل كافة السلطات وضرورة الالتزام بتطبيقها.
ثانيا : ان اوامر القاء القبض على الاعلاميين بدون افعال جرمية حقيقية يساعد على اختناق حرية ابداء الآرأء من قبل الرأي العام ويؤدي الى عدم التعرف على وجهات النظر في قضايا الشؤون العامة في البلد واضعاف التعددية في المجتمع.
ثالثا : ندعو الى التدقيق من قبل المؤسسات التي تصدر الاوامر بالقاء القبض ان يكون لديها ملفا كاملا واستكمال نواقصه قبل استسهال اصداره ثم العمل لتكييف الفعل مع المواد القانونية المطابقة ومراجعة ذلك حسب الاختصاص في اطار احترام المعايير لحق التعبير والنشر.
رابعا : ابطال كافة الاوامر التي صدرت دون استيفاء شروطها القانونية والتي من المفترض ان لا تصدر الا حسب القانون والوقائع التي استكملت معلوماتها .
خامسا:مبادرة المفوضية العليا المستقلة لحقوق الانسان ووزارة حقوق الانسان مع اللجنة البرلمانية لحقوق الانسان لتقديم الموقف الدستوري وضمن المعايير الدولية عن ذلك من اجل تكريس مباديء الدميقراطية التي تضمنها الدستور .
مقالات اخرى للكاتب