قبل سبعين عاما.. سقطت القنبلة الذرية على مدينة ناكازاكي اليابانية، وأحدثت كارثة إنسانية أودت بحياة عشرات الآلاف من الأبرياء، وما زال أبناء وأحفاد تلك الحقبة يدفعون ثمنًا باهظًا من جراء ما خلفته من اشعاعات تقطع الحرث والنسل. هذا ماكان في اليابان.. ولو أتخذنا من الرقم الرياضي مقياسا لهول الخسائر، ودليلا على فظاعة الجريمة، لتبين لنا ان هناك جرائم أكبر من جريمة ناكازاكي بكثير، لكن الله جعل للنفس البشرية قدرا كبيرا سواء أكانت نفسا واحدة ام ملايين من النفوس فقال: “من قتل نفسا بغير نفس او فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا”. وجل مانزل في كتاب الله يحث على الرفق بالنفس البشرية وعدم ايلامها والإبتعاد عن كل مايسبب لها الأذى العضوي والنفسي، وكذلك بعث رسله لهذا الغرض.
ولو تركنا اليابان وقنبلتها، والتفتنا الى عراقنا الذي يحضننا بين نهريه، وتحدثنا عن يومنا الحالي، من دون إلقاء اللوم على عهد الاحتلال العثماني، وبعيدا عن التنكيل بالعهد الملكي، او الإشادة والإطراء بالحكم القاسمي، او الذم والتشهير بسني حكم البعث. ولنقل العبارة المألوفة لدينا: (احنا ولد اليوم).. ولنقلب اوراق الأعوام الاثني عشر التي خلت، والتي عاش فيها العراق تحت حكم سلطات انتخبها واختار شخوصها، ولنرسم توضيحا بيانيا يتعامد فيه خطا العامل الزمني وعامل الانجاز الفعلي للثلاثين مليون نفس بشرية عراقية، وبعد استقراء بسيط للنتائج، نضع ماسببه المسؤولون عن سير هذين الخطين من أذى وموت ومرض وفاقة وتخلف في كفة ميزان الحكم، وقنبلة ناكازاكي الذرية في الكفة الثانية، ماذا يكون الحكم؟!. ولنكون منصفين في حكمنا أقول: لقد بدأ بناء اول لبنة في العراق الجديد لحظة سقوط تمثال صدام المقبور.. إذ كانت لحظة انطلق منها الفرد العراقي المكتومة أنفاسه عقودا، ثائرا لحقوقه المغبونة، متأملا تعويضها من قبل الحكومات التي سيأتي دورها.
نعم..! فقد تم وضع حجر الأساس لبناء البلد بالشكل الذي يليق بالعراقي، عندما تمكن لسان المواطن البسيط من النطق بوجه الظلم والاستبداد وسلب الحقوق وتكميم الافواه. لكن الذي حصل أن المعادلة لم تكن متكافئة، فمن سوء حظ العراقيين أن ساعدا واحدا كان يبني.. فيما كانت عشرات السواعد تهدم وتهد مايعلو من بناء، فيكون الأمر كما قيل:
ولو ألف بانٍ خلفه هادم كفى
فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم
ومن المسلم به أن البناء يتولى هندسته شخوص قياديون ذوو كفاءة مهنية وقدرة إدارية عالية، ليس في مجال البناء فحسب، بل في كيفية إدارة مفاصل أخرى في البلد، لاتقل أهمية عن البناء، بل هي صنوه وتوأمه، وإذا أريد للبناء أن يعلو ويستمر فإن الأمر يستوجب الارتقاء بأهم مفصلين، هما الأمن والاقتصاد، وهذان الجانبان لم يريا الاهتمام المجدي بهما طيلة العقد الماضي من عمر الحكومات المنتخبة المتعاقبة. فالأول -الأمن- ظل يتخبط بين محارب مخلص وبين مشاكس مغرض.. فتقاطع الإثنان في زاوية أطبقت بسلبياتها على المواطن العراقي. أما الثاني -الاقتصاد- فلم يرَ من النور غير بصيص لاح من خلال (كاك النفط) وهاهو الـ (كاك) يعاني من صدأ الأسواق العالمية وتداعيات انخفاض أسعاره وسقوط عملته، فهل ينتظر ساستنا قنبلة أقوى من قنبلة بورصة النفط تهز البلد ليلتفتوا الى تنشيط موارد البلد الأخرى، وهي كثيرة؟!.
مقالات اخرى للكاتب