تعد الإدارة واحدة من أهم مفردات النهوض بالمجتمعات ومن خلالها تتقدم الدول عبر إدارة مواردها المختلفة، ويُعرِف المختصون في علم الإدارة بأنها "عمليةتحقيقالأهدافالمرسومة باستغلالالمواردالمتاحة،وفقمنهجمُحدّد،وضمنبيئةمعينة" وبذلك نجد إن الإدارة تكون حيثما يكون الإنسان وصنوه الآخر في اي مكان كان، ولابد من وجود إدارة تنظم وجودهم، ثم ظهرت التخصص في الإدارة تبعا للقطاع الذي تدور فيه عملياتها، ولان العملية القضائية واحدة من أهم الفعاليات الأساسية للدولة والمجتمع فان الادارة فيها اتسمت بخصوصية المجال الذي تعمل فيه، وهو المجال القضائي لان القضاء يختلف عن سواه بكثير من الأمور منها انه يتعامل مع حقوق الإنسان وحماية تلك الحقوق والحفاظ على امن المواطن والبلاد وتنظيم شكل الدولة وسمات أخرى اتسم بها القضاء في كل البلدان، وفي العراق وبعد أن اصبح القضاء سلطة مستقلة على وفق احكام الدستور النافذ في المادة (87) التي جاء فيها (السلطةالقضائيةمستقلة،وتتولاهاالمحاكمعلىاختلاف أنواعهاودرجاتها،وتصدرأحكامهاوفقاًللقانون( لذلك تجد القائمين على شؤونها قد اهتموا كثيرا في مجال إدارة القضاء لان إدارته كسلطة مستقلة غير إدارته وهو جزء من السلطة التنفيذية وذلك لان سياسة السلطة القضائية أصبحت تختلف عن سياسة السلطة التنفيذية وان كانت تتكامل معها من اجل تقديم الخدمة الأفضل للمواطن وهذه السياسة ظهرت من خلالها الاستراتيجيات التي أعدت للعمل بموجبها وتتضح معالم هذه السياسة عبر التدابير والإجراءات المتواصلة في بناء مكونات السلطة القضائية، ونجد ان الإجراءات التي اتخذت تجاه التوسع الأفقي والعمودي في مفردات ومكونات السلطة القضائية وكذلك المعبرة عن التنوع في أداء أعمالها بين قضاء دستوري وقضاء اعتيادي أو في إجراءات تنمية الموارد البشرية واللوجستية والتنظيمية وإجراءاتها في تنمية الاجتهاد القضائي ومنها مفردات جزئية ظهرت على شكل تعليمات وأوامر وسياقات عمل تتولى تنظيم العمل القضائي في مختلف قطاعاته ولان القضاء له سمات خاصة به منها وجود مسارين للعمل فيه الأول يتعلق بإدارة المؤسسة القضائية وهو ما يدخل في مفهوم الإدارة العامة أو الإدارة العمومية كما يسميها البعض ومنها تنظيم وإدارة الموارد البشرية والبنى التحتية والموارد المالية والجانب الانضباطي للعاملين في القضاء وحتى هذا الجانب فيه اختلاف لان انضباط القضاة ومحاسبتهم له آلية تختلف عن انضباط ومحاسبة الكادر الوظيفي المساعد للعمل القضائي، والمسار الثاني يتعلق بإدارة الدعوى القضائية التي يتولى فيها القاضي إدارتها بعيدا عن سلطة الرئيس الإداري للقاضي وإنما تخضع هذه الإدارة لطرق الطعن القضائي ،كما يتسم العمل الإداري القضائي بأنه عمل ميداني وأحيانا يحتاج إلى اتخاذ قرارات آنية في لحظة ومكان وقوع الحدث ومثال ذلك عندما تعرضت المباني القضائية إلى اعتداءات إرهابية وجدنا رئيس المجمع القضائي الذي يقع في المبنى أو رئيس المنطقة الإستئنافية متواجد وقت وقوع الحدث ويتخذ القرارات التي تسهم في الحد من الخطر أو الضرر على خلاف العديد من الفعاليات الحكومية التي يترك فيها رئيسها الموقع خوفا على سلامته ويترك الأمر للجهات المعنية والمسؤول القضائي لا يترك الموقع مع وجود الخطر إلا بعد أن يضمن زوال الخطر عن الجميع بما فيهم المواطنين الذين قدموا إلى المرفق القضائي لطلب الخدمة القضائية ، ونجد إن المسؤول الأعلى لا يتواجد في مقر عمله وإنما تجده في المجمعات القضائية حيثما تكون ضمن الرقعة الجغرافية لمسؤوليته القضائية سواء قصرت المسافة أو بعدت عن موقع عمله حتى وان كانت في أطراف العراق وفي مناطق نائية، كما نجد إن القاضي لم يغادر موقعه القضائي رغم كل ما مر في العراق من حروب او نزاعات داخلية إلا إذا قررت الجهة المرجعية له نقل أعمال المرفق القضائي إلى مكان آخر عندما يصبح الخطر غير قابل للمواجهة الفردية من السلطة القضائية أو إدارة المرفق القضائي ولتعذر وصول المواطن اليه، وهذا ما جعل عدد الشهداء من أبناء السلطة القضائية هو الأكبر بين سائر المؤسسات باستثناء القوات الأمنية التي مهمتها التصدي للعدوان أينما يكون، كذلك يتولى رئيس المرفق القضائي أحيانا معالجة حاجة المواطن آنياً تجاه مطلبه من خلال الاتصال المباشر معه دون حُجُبْ أو سواتر مكتبية لان باب القاضي مفتوح أمام الجميع ولهم أن يدخلوا إلى القاضي دون حاجب أو بواب رغم إن القاضي من الدرجات الخاصة ويتولى إصدار الأحكام التي تطال كبار الموظفين في الدولة أو إصدار الأحكام التي تنهي حياة إنسان بموجب القانون، إلا انه لا يتوارى خلف الأبواب وإنما في ميدان العمل اليومي مع المواطن بالمباشر وهذه الأمور التي ذكرتها هي التي تدعونا إلى القول بان العمل القضائي هو الناجح بالمقارنة مع المفاصل الأخرى في الدولة لان إدارته إدارة ميدانية أكثر من كونها إدارة مكتبية ويشير المختصون في علم الإدارة إلى أن "الإدارة الميدانية تعد من الإدارات الناجحة التي تستدعي التوقف عندها ولغرض الولوج للواقع الميداني في أي مؤسسة ينبغي استخدام الاتصال المباشر الميداني والوقوف على أولويات وإجراءات العمل وتعزيز الثقة بين الإدارة والعاملين ضمن المعية حيث يعتقد الكثير من المختصين في الشؤون الإدارية أن التنقل يتيح للعاملين ضمن الرقعة الجغرافية لتلك المؤسسة من الاتصال المباشر مع ربان تلك المؤسسة من جانب ومن جانب اخر فان الفائدة من طرح الآراء أثناء الزيارات الميدانية تتيح للجميع أن تتلاقح رؤاهم فيما بينها ليخرجوا بنمط جديد او إجراء يلقى مقبولية الأغلبية إن لم نقل بالإجماع وهذه السياسة الإدارية تحقق أفضل سبل النجاح وتبعث بالاطمئنان وتمنح الثقة للعاملين في ذلك المجال فضلا عن ذلك ان يشخص المسؤول المباشر الأخطاء او العقبات التي تعترض العمل وبالتالي القيام بتذليل تلك العقبات"فضلا عن الإدارة التخصصية في المجال القضائي المتمثل بتطوير وتأهيل الكوادر القضائية وإعدادها إعداداً يتناسب وحجم العمل وأهميته من حيث الجانب العلمي والفقهي والإداري وغير ذلك من الأمور التي تتفق والهدف النهائيللإدارةالعامة وهوتقديمالخدماتاللازمة للحفاظعلىالمجتمع والدولة كما يتميز الشخص الذي يتولى الإدارة بان يتمتع بالمعرفة في القانون والإلمام بفن القضاء ومميزات الإداري الناجح وجاء في كتاب (القيادة في الإسلام) للكاتب محمد ربشهري بان الإدارة (كالطبع الشعري الذي يمتلكه البعض ويفتقده البعض الآخر . ومن كان فاقدا لهذا الطبع فإنه ربما استطاع تعلم نظم الشعر ، بيد أنه لا يكون شاعرا . فالتعليم والتجربة في نظم الشعر لا ينفعان إلا من كان له ذوق وفطرة شاعرية . وهكذا الإدارة ، لذلك قيل : " الإدارة ممتزجة بدم الإنسان " وهذا الكلام تعبير آخر عن فطرية الوعي الإداري والقيادي عند بعض الناس . ومن كان فاقدا للفطرة الإدارية فلا يتسنى له أن يتعلمه في أي مدرسة كانت . إنه يمكن أن يكون عالما وفيلسوفا مقتدرا ، لكنه - بلا ريب - لن يصير مديرا وقائدا مقتدرا . إنه ليتعلم علم الإدارة ، إلا أنه لن يظفر ب " فن " الإدارة)
مقالات اخرى للكاتب