ذكرتني حوادث الاعتداء الجسدي “الرسمي” على الصحفيين هذه الايام لدرجة تكسير عظام البعض منهم وفج رؤوس اخرين، بأعتداء معنوي من نوع آخر سببه حزبي أحمق من النخبة الحكومية، جمعتني معه وزملاء آخرين جلسة خاصة ذات امسية قبل عام، راح فيها هذا يكيل الشتائم يمينا وشمالا على طريقته، ضد جملة من وسائل الاعلام الرئيسة، قال لو كان الامر بيدي لفعلت كيت وكيت، خاتما جملته الطويلة بعد كل مداخلة بأستخفاف: يا أعلام، ياحرية؟ ولو كنت ادري من جهتي ما سألته بما كنت اظن يملكه من معلومات وعلاقات مع اطراف نافذة بالحكومة، حسبتها مفيدة لعملي، واهمها عن مدى شرعية تصرفات الاجهزة المعنية باصدارها مذكرات قبض بحق اعلاميين وكتاب لمجرد ان رئيس الحكومة لاتعجبه كتاباتهم، او قيام من يقوم فيها على منع او غلق قنوات فضائية لاتستسيغ سياستها الحكومة، بما في ذلك، حيث جرى حديثنا، حول المعايير القانونية التي ستعتمد لخطوة مثل خطوة محاولات القاء القبض على كتاب او مصرحين وناشطين مدنيين بوصفهم “مجرمين” من قبل الشرطة، لالشيء الا لأنهم يعبرون عن وجهة نظر معينة ويمعنون دائما في الاشارة لفشل مؤسسات الحكومة في اداء واجباتها واولهم رئيس الحكومة نفسه بوصفه موظفا ومسؤولا مباشرا امام الناس، مع ان طريقة التجاوزات هذه ”قلت له” تتنافى مع ابسط قواعد احترام الرأي المختلف وفقا لمعايير الديمقراطية التي صبرنا كثيرا من اجلها، بانتظار ان يسقط صدام.
لكن الرجل مضيفنا الذي ظل يشتم على طول الخط، بدلا من ان يجيبني جوابا مناسبا، انتفخت اوداجه اكثر ردا على استفساراتي واشاراتي لبعض القنوات والصحف، فسألني حالا وهو يعرف صفتي، وطيف ابتسامة غامضة يلوح على وجهه: صدك انت من ياعمام؟، غير انه انتبه فجأة لما قال خصوصا ونحن مازلنا بصدد نفس الاسئلة، وكي يبدل الموضوع، اردف: لماذا تكذب وسائل الاعلام هذه؟ لماذا يريدون تخريب تجربتنا الديمقراطية؟ ..الخ.، ولما وجدت صاحبي يواصل على نفس المنوال والحوار بيننا مقطوعا ولامنفعة ترتجى فيه وانني كما لو كنت اطرح اسئلتي على جدار، رحت اناغيه وابادله مجاملاته وكلماته التي اضحت اخف، فقط كي اخلص واقول للجميع في امان الله، لكن زميلا لي ممن حضروا الامسية، اخبرني في اليوم التالي، قال صاحبنا فعلا سألني عنك جادا: الاخ من ياعمام؟، قال: كان يريد ان يعرف من اي طائفة.!
مقالات اخرى للكاتب