التوافق الذي درجت عليه الكتل السياسية والأحزاب في مشروع تقاسم السلطة الذي ساد منذ 2005، أخرج الديمقراطية المزمعة عن جوهر منهجها في حكم الأغلبية الفائزة وشرعية وجودها عبر الإنجاز والمكاسب المتحققة للمواطن ،واستبدلها بأحزاب طائفية وقومية تبحث بشهية مطلقةعن سلطة وأموال ونفوذ وامتيازات .واقع ضاعت فيه الثقافة الوطنية وروح المواطنة ،وتشرذم الواقع وفق انتماءات طائفية وحزبوية جاءت بالغث والفاسد والإحتراب والتصارع، وانتشار مبدأ الشك وفقدان الثقة الذي ترحل من ساحة التحارب السياسي بين الأحزاب واجنداتها ، الى بعض مستويات المجتمع العراقي للأسف .واقع المحاصصة السياسية يمثل الخلل البنيوي المكشوف للجميع ، وهو المسؤول الأول عن غرق البلاد بالفساد والفشل والإنهيار والإرهاب ايضا ً، لكنه الواقع الذي لاتريد مغادرته الأحزاب المستفيدة من السلطة وامتيازاتها ، ومن هنا فأن التغيير بالإصلاح والتغيير ينبغي ان ينطلق من مغادرة هذه القاعدة التي انهكت الدولة ووضعتها على حافة الإنهيار والتقسيم ، وبهذا نكون قد احدثنا ثورة سياسية فعلية بإتجاه الإصلاح النافع، أي تغيير أنظمة و قواعد العملية السياسية . مشروع التغيير الوزاري نحو التكنوقراط الذي انشدته الجماهير واعتصمت لأجله، لم يجد قبولا ً لدى غالبية الكتل والأحزاب السياسية التي عارضته تحت اسباب وتبريرات شتى ، لكنها في الواقع تنعي مكاسب سوف تخسرها من صفقات عقود وتعيينات واستئثار بالوزارات ومراكزها . الموضوع يعكس أزمة بنيوية عميقة للعملية السياسية ، والتغيير لابد ان يمتد الى هذا العمق واصلاح خرابه ، ذلك الخراب الذي أسسته هذه الكتل والأحزاب التي تمسك بتلاليب السلطة دون هوادة، بل يعده البعض ترجمة لنظرية العدل الألهي، كما قال احد منظري حزب الدعوة في مؤتمر الجامعات العراقية عام 2013.التكنوقراط المنشود لدى العبادي وساحة البرلمان يمشي بطريقة عرجاء والسبب الأول ان من يطالب بالتكنوقراط يتحدر عن حزب يملك غالبية مراكز السلطة باحتكار صارخ ، وثانيا ً؛ احتمال الرفض اكثر اغراء ً للأحزاب لأنها تفضل وزراء منتخبين من قبلها حتى وان كانوا مستقلين او تكنوقراط ، وبهذا نعود لمبدا المحاصصة ونخسر جوهر المشروع ...! أذن لابد من تغيير جوهري لقواعد اللعبة السياسية في العراق، قبل ان تترك الأمر لثورة شعبية أو انقلاب عسكري ، تغيير تتفق عليه الأحزاب بهدف تعديل دستوري سريع ، يلغي فكرة المكونات ويعتمد المواطنة والنزاهة والتخصص في اختيار الوزير ومن يشغلون مناصب مهمة وفاعلة في مفاصل الحكومة والدولة عموماً،وبهذا نتخلص من العناوين والصراعات الطائفية،والقطبيات الإقليمية التي لامصلحة للعراق فيها ،بل تحركهما مصالح اقتصادية واخرى استراتيجية لدول جوار العراق .
مقالات اخرى للكاتب