رحم الله الشاعر الكبير معروف الرصافي الذي لخص نظام الحكم في العراق منذ بدايات تشكيل الدولة العراقية بمفاهيم أساسية تستند عليها الدولة الحقيقية القابلة للعيش في محيطها الإقليمي والعالمي ، دولة مكتملة الأركان شعب يعيش على ارض لها حدود معترف بها وحكومة تدير الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة نيابة عن الشعب الذي تنازل عن جزء من حقوقه للحكومة لكي تحقق له الأمن والأمان والرفاهية وتحقق العدالة المجتمعية وتدافع عنه من الأخطار الخارجية ونحافظ على سيادة الدولة ،وحتى يتحقق ذلك ويشعر الشعب بالانتماء لهذه الدولة ويقبل بمشروعية الحكومة ويتمتع بكرامة العيش ويؤدي دوره في المجتمع ويقتنع بجدية بحقوقه على الدولة وبحق الدولة عليه، يستلزم أن تبنى في وجدانه الحس الوطني وهو الإيمان المطلق الذي يسكن قلبه الذي يشعره بأنه مسؤول أن تعرض شعبه أو جزء منه إلى الظلم أو الجوع أو التشريد أو الإرهاب لان ذلك سيقوض ركن أساسي من بناء الدولة، لذلك نرى في كل دول العالم سواء كان في تاريخها القديم أو الحديث والمعاصر حدثت ثورات شعبية كبرى قلبت أنظمة الحكم وغيرت المسارات السياسية والاقتصادية ،كما نرى رموز وطنية قارعت أنظمة الحكم في دولها بعد أن استفزتها تصرفات السلطة وفشلها في تقدم شعوبها ،ونقرأ عن مصلحين من رجال دين و مفكرين وسياسيين حاولوا الإصلاح منهم من وفق بمشروعه و منهم من دفع حياته ثمن له وستبقى العجلة دائرة إلى أن يرث الله سبحانه ارض وما عليها .
العلم عنوان الدولة ورمزها الذي يستظل الجميع تحته والذي يمثلها في كل دول العالم والمنظمات الدولية والإقليمية الذي يجمع ولا يفرق، نجح المحتل أن يضع أول بذور الفتنة بين أطياف الشعب من خلال علم الدولة واستطاع أن يقنع أنصاف الساسة بان العلم يمثل نظام لا دولة ،كان يفترض أن تعمد الدولة بعد أن يزول الاحتلال ويتشكل الحكم الوطني تلجا إلى تشريع قانون لعلم الدولة من خلال المؤسسات الدستورية يحظى بواجب الاحترام والتبجيل ،ولكن بسبب الفوضى والانقسام رفعت أعلام بدل العلم الواحد على مباني المؤسسات الحكومية حتى وصل الأمر لداخل السفارات العراقية وما يزيد في الحزن على البلد أن يتوشح العراقي الذي يشارك بمهرجانات آو مسابقات آو في الملاعب بعلم الإقليم أو العلم السابق وكأنه يقول أن العراق بات عراقات.
أما الدستور معضلة العراق كان ومازال ألغام تتفجر في كل يوم ، دستور الكل يدعي بالاحتكام إليه والكل يخترقه يوميا والكل يريدون تعديله والكل لا يستطيعون تحريكه والكل يفسره على هواه . وفشل مجلس النواب في إصدار القوانين المهمة المتعلقة بتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كقانون الأحزاب وقانون الثروة المعدنية وقانون التقاعد وقانون الخدمة الموحد ومئات القوانين الأخرى نتيجة التناحر والمزايدات بين الكتل والمقاطعات والعيابات وفشله في تحقيق النصاب القانوني وانتهاء دوره الرقابي وعجزه عن معالجة الأزمات وتطويقها وتقاطعه مع السلطة التنفيذية والتي انعكست على السلم الأهلي ودفع البلاد إلى ما يحمد عقباه.
كل ذلك يقودنا إلى السؤال الكبير هل العراق دولة كاملة في ظل علم ودستور ومجلس نواب مختلف عليهم
أفتونا يرحمكم الله.
بغداد 2 مايس 2013