لي إبنةُ عَمٍّ ، كانتْ تربِطُني بها في أيّامِ الفُتُوّةِ أشياءُ ، و أشياءُ .. و أشياء .
إفْتَرَقْنا ، بعدَ انْ طَلَبَتْ منّي أنْ أكونَ مُجَرّدَ صديقٍ لها . أو أنْ أكونَ ، ليسَ أكثرَ ، من قريبٍ " أليفْ " فقط .
لَمْ تُعجِبُني ، في ذلك الوقت ، كلمةُ " أليف " أبداً .
كانَ معناها ، بالنسبةِ لي ، أنْ " أتحوّلَ جينيّاً " من عاشقٍ لا يُشَقُّ لهُ غُبار ، شبيهٍ بـ "عنترة العبسيّ " ، إلى شيءٍ يشبهُ قِطّةَ البيتِ .. أو ما شابهَ ذلك .
رفضتُ صداقتها ، في حينه ، وقلتُ لها غاضِباً : لا .. " ليس الآنْ " .. هذا غيرُ مُمكِن .
بعد أربعين عاماً ، التقينا صُدفةً على صفحات " التواصل الأفتراضي " ، وقبَلْتُ هذه المرّة أنْ تكونَ .. " صديقتي " .
هيَ .. تضعُ على " جدارها " ، يوميّاً ، عشرَ آياتٍ قرآنيةٍ كريمة ، و خمسينً حديثاً نبويّاً شريفاً ، و الكثير من " الأدعيّة " .. وأهمّها الأدعيّةُ التي تُتلى على الميّتِ ( قبل ، واثناء دفنه ) ، والعديدَ من قصص الصحابة ، رضوان الله عليهم اجمعين .
وأنا .. أكتبُ قصائد عن الحُبّ .. بسبب " العُقد النفسيّة " الكثيرة التي تسبّبْتْ بها ابنةُ العم العزيزة هذه .. قبل اربعين عاماً .
أنا .. أضعُ لها " اللايكات " دائماً ، و على أي ّ شيءٍ ، وكلّ شيء أجدُهُ على جدارها .. بما في ذلك تلك " المنشورات " التي تُهدَدُ " الكافرين " بالويل والثبور ، وعظائم الأمور ، إنْ لَمْ يهتدوا إلى طريق الصواب والفضيلة .
أنا .. كنتُ أريدُ من " اللايك " أن يكون وسيلتي لأيقادِ نار الحنينِ في قلبها .. إلى ايامنا تلك .
لهذا أستَغِّلُ ، أحياناً ، قيامها بنشر صورةٍ لطفلةٍ تبكي ، أو شابٍّ يبتهلُ إلى الله بخشوعٍ لكي يُخَلّصُهُ من محنةٍ ما ، أو مقطعٍ من قصيدةٍ " سقطتْ سهواً " على جدارها الكونكريتيّ ، فأعَلِّقُ عليها .. وندخلُ في حوارٍ حميمٍ ، كهذا الذي سأذكر لكم تفاصيلهُ الآن :
- رائعٌ يا أبنة العم .
- الحمدُ للهِ يا ابن العم .
- الحياةُ حزينةٌ ، ولكنّها جميلةٌ ، بوجودكِ الدافيء يا ابنة العم .
- باركَ اللهُ فيكَ يا ابن العم .
- إنّني وحيدٌ .. وحزينٌ .. يا ابنة العم .
- " أنتَ لا تهدي مَنْ أحببْتَ ولكنَّ اللهَ يهدي مَنْ يشاء ".. يا ابن العم .
و في عيد ميلادِ حفيدها ، قرّرتُ تذكيرها بأحداث يومٍ كُنّا ، انا وهي ، نقلبُ فيه الدُنيا ( عاليها سافلها ) .. فكَتَبْتُ :
- إنّهُ عيدُ ميلادي أيضاً يا ابنة العم .. فما هي هدِيّتُكِ لي ؟
- سأبتهلُ إلى الله أنْ يهديكَ إلى حُسْنِ الخاتِمَة .
وعند " حُسنِ الخاتمةِ " هذه .. طفَحَ الكيْلُ بي ، فكتَبْتُ لها على " الخاص " :
- ما بِكِ يا ابنةَ العم . ألا تتذكرينَ أبداً ، شيئاً ما جميلاً .. من ذلك الزمان الجميل ؟
كان " بلوك " ابنة العم ، أقوى ، وأحدث صدمة نسائيّةٍ " مُعاصِرَة " يتلقاها قلبي العاشق ، طيلة أربعين عاماً من الفراق . وهي واحدةٌ من بين صفعاتٍ رجالية ٍ كثيرةٍ ، كنتُ اتلقّاها بين الحين والآخر ، مع أنّها لم تكن صفعاتً " مُعاصرةً ".. أبداً .. وعلى صفحات عمّي العزيز مارك زوكربيرك أيضاً .
هذا العَمُّ الغريبُ الأطوار ، الذي لم يكنْ رحيماً بي ، اطلاقاً ، لا في عشقي لأبنة عمّي ، التي تشوبها اشياء كثيرةُ مُريبة ، ولا في صداقتي التي لا تشوبها شائبة .. لأبناء عمّي .
مقالات اخرى للكاتب