من البديهيات التي لاجدال فيها ...ان يقال ... لولا الفرد لما وجد المجتمع ...ولولا الرعية لما وجد الراعي ...ولولا السياسة لما وجد السياسي ...ولولا الطمع لما وجد الحرامي ...ولولا الحاجة لما وجدت النظريات ...
ماذكرته من بديهيات ...هي امثلة قليلة وكنماذج ...ومن يريد جردها وتعدادها جميعها فهي تعد بالمئات وربما بالالاف ..
حديث الساعة اليوم في العراق ...التمايز الطبقي بين شريحة منتفعة من السلطة والنظام وبين غالبية الشعب اوالمجتمع ...في الحياة المعيشية ..فالعراقي يريد ان يعيش بكرامة وامان ...ولا يطمح لان ينافس المسؤول وحتى لايهمه من يكون هذا المسؤول ..ومن المعروف عن العراقي قوله ( ياهو اللي ياخذ امي اسميه عمي )..
يكون الراعي عادة من النخبة وهي التي بيدها القرار وتتمثل بكبار رجال السياسة والدين ووجهاء المجتمع ( شيوخ العشائر هذه الايام واصحاب رؤوس الاموال الضخمة من التجار ) .. وهؤلاء عادة لايمثلون الا نسبة ضئيلة جدا من المجتمع ..اما الغالبية العظمى فهي تمثل الشريحة المنتجة وتشمل العمال والموظفين وصغار الموظفين ...وعلى الاغلب هم من الفقراء والكادحين المسحوقين اقتصاديا ..
من هنا نجد الصراع مستمر بين نخبة الرعاة والرعية ... أي بين صاحب القرار وبين من يقع عليه تاثير القرار او يطبق علية ...وثبت عبر التاريخ ومن القصص التي قرأناها ...نادرا ما انصف الرعاة رعيتهم ...ومن هنا ظهر مفهومي الحق والعدل والمساواة التي تطالب بهما الطبقة المسحوقة ..وظهرت تسميات الظلم والظالمين والتي الصقت بالحاكم والقادة ..
انني شخصيا اعتقد ان الفارق بين الاثنين هو في التربية والنوازع الشخصية عند الفرد ...الانسان القنوع لايمكن ان يكون جشعا او طماعا وحتى لن يكون ظالما او قاتلا او مستغلا ...
اما الانسان الاناني والجشع فنجده يعمل المستحيل للاستحواذ على حقوق الاخرين والاحتفاظ بها لنفسه وبكل الوسائل الشرعية واللاشرعية ...وفي كثير من الحالات وبطرا..حتى اكثر من حاجته الشخصية ..وكمثل على ذلك البذخ والترف عند الخلفاء والملوك والطغاة ...
فهؤلاء فسروا التعاليم الدينية والوضعية بشكل تتلائم مع طموحاتهم الشخصية وبالاصح امراضهم النفسية كان يمتلك احدهم 300 امرأة على شكل زوجات او محظيات ..وهناك من يسن القوانين ...ويقتل الناس ليرضي غرورة بالسطوة والدم ...وهناك من يكتنز المال ولا يدري ماذا يفعل به فيبني قصورا فارهة تكون فيه الحنفيات في الحمامات مصنوعة من الذهب الخالص او يبني في قصره 50 مرفق صحي ..
فهل حاجة انسان واحد تقتضي هذا العدد من المرافق الصحية ...انه البطر وارضاء غرور شخصي لاغير...وان جئت للحقيقة هي عبارة عن امراض نفسية ...وشعور بالنقص ..
والان لنذهب الى الطرف الثاني من المعادلة ...نجد الغالبية العظمى من المجتمع ...هم فقراء ومحتاجين ويعانون من الحاجة الى ابسط مقومات الحياة الانسانية ..سواء في المأكل والمشرب والملابس والرعاية والخدمات ..او غيرها
ومثلا نجد عوائل كاملة لاتجد لقمة العيش من طعام تشبعها وقد ينام الطفل ( ان استطاع النوم وهو جائع ) ... ونجد الكثير منهم يهزل ويضعف وبالتالي يصاب بالمرض ويموت جوعا ... وهذا يحدث حتى في عراقنا الذي يعتبر من اغنى البلدان ..ومن على شاشات الفضائيات ...تشاهد اناس صغاؤ وكبار .. نساء واطفال يفتشون بين القمامة عن ما يحتاجونه ليعيشوا ...وتقول الاممالمتحدة ان ربع سكان العراق هم تحت خط الفقر ..
وليس غريبا ان تشاهد اناس وعوائل كاملة تشرب وتستخدم المياه الاسنة والتي يشرب منها وبنفس الوقت الكلب والحيوان ...
في الوقت الذي تجد فيه قصر المسؤول او التاجر يحتوي على 50 مرفق صحي ...تجد الفقير ..يقضي حاجته بالعراء ...وبينما تجد الغني يمتلك العديد من القصور تجد الفقير لايمتلك سقفا يقيه برد ومطر الشتاء او حر الصيف ...وحتى لا يمتلك مترا واحدا من ارض الله الواسعة ويعيش في العشوائيات ...تحت التهديداليومي الحكومي بطرده منها .. من قبل جلاوزة الحكومة ..
هذا التفاوت الطبقي ...قد يبرر في البلدان الفقيرة ...ولكن ابدا لايمكن قبوله في البلدان الغنية كالعراق والسعودية مثلا ...اذ وهبنا الله ثروات اكثر من حاجتنا وفي حالة (لو وزعت بالعدل والانصاف ) ..لجعلت من كل عراقي وعراقية يعيشون في بحبوحة من العيش يحسدون عليها ...ولكن للاسف ابتلينا باناس ونماذج من القادة والرعاة ممن عيونهم لاتدمع وقلوبهم لا تخشع وبطونهم لاتشبع واقل ما يوصفون به انهم ...مرضى نفسيين ...
لهذا برز الصراع الازلي بين الفقراء والاغنياء وعبر التاريخ ..وسيبقى قائم الى يوم الدين ...لسبب بسيط ...لان النفس البشرية امارة بالسوء ..قرأت مرة ...انه يقال انه ذكر في احد الكتب السماوية ...ان الله سبحانه وتعالى ارسل للبشرية (150 الف نبي ) عبر التاؤيخ ...لاصلاح شأن البشر ...وكلهم (وهذا راي شخصي بحت ) عجزوا في اقتلاع الشر من النفس البشرية ..
لنأخذ اكثر الاديان السماوية شيوعا العالم وفي الوقت الحاضر ...وهي الاسلام والمسيحية واليهودية ...وكلها تدعوا للحق والانصاف والعدالة والحرية والمساواة وتحريم الظلم وتجريم الظالمين ..ولكن هل تحقق ذلك وطبق على ارض الواقع ؟؟؟ ابدا لم يتحقق ولن يتحقق ...هذا كلام يعتبر مثالي ونظري في عالم الواقع ..
الخلل ليس في هذه الاديان ...ولا في دعوة الانبياء ...الخلل في طبيعة الانسان ...في التربية البيئية والاخلاقية لذات الفرد الانساني ...في مجتمع يحترم القوي ..والقوة تؤمن عن طريق السلطة والمال والجاه الاجتماعي ...والتي تحصر في النخبة ...ومن هنا نجد الجميع يتقاتلون وبكل الوسائل المتاحة على الحصول على السلطة ...سواء بطرق اخلاقية او لا اخلاقية .. نجدهم يستخدمون الدين (وفي كل الاديان) ..كمطية للوصول الى مأربهم ...فهم يحللون الحرام ويحرمون الحلال .. ومن السهولة بمكان ملاحظة الاعداد الهائلة ممن يرتدون العمامة ويطيلون اللحى ويقصرون الشارب من وعاظ السلاطين والمنافقين ...وهذه الظاهرة ليست حكرا على الاسلام وانما في كل الاديان ولكنها برزت اكثر في الاسلام ...
والسبب في ذلك كثرة الملل والنحل في الاسلام ...وانتشار الجهل والتخلف بين العامة ..وبروز ظاهرة الفقر والاضطهاد الاجتماعي ..ولاسيما في العقود الاخيرة عندما تعالت الدعوات للاسلام السياسي ...سواء في نظام حكم ولاية الفقيه او حكم المرشد الاخواني او الوهابي ..
وكم من فقير تعكز على الالام ومعاناة الفقراء وصعد على سلم السلطة باسمهم ... وعندما تربع على الكرسي تخلى عنهم ...وانقلب ضدهم ..للاسف نجد هذه النماذج في كل مكان وزمان ...
لنتوقف الان عند بعض الامثلة اليومية التي تلقي الضوء على الصراع ..بين الرعاة والرعية ..او بين الحكام السياسيين وجماهير الشعب ..
وما ثورات الربيع العربي وفي كافة الاقطار الا مثل حي على ما ذكرته اعلاه ...صراع بين جياع الشعوب للحصول على لقمة العيش والكرامة الانسانية ...وبين رجال السلطة ...وما يحدث من تجدد لثورات كما في مصر وتونس ...الا مثل ونموذج واقعي على ما اقول ...نلاحظ ان الثوار الشباب بعد ان تاكدوا من انحراف قادة الثورة التي اوصلوهم للسلطة بعد مرور سنة او سنتين على تسنم مناصبهم ...واذا بهم يثورون ثانية ...وستكرر هذه الظاهرة ثانية وثالثة ...الى ان يصل دكتاتور على راس السلطة ...فيقمع الشعب بالحديد والنار ..عندها تكبت رغبة الجماهيرفي الثورة وتخمد مضطرة لابطر ولا باختيارها ...
ما يحدث اليوم في العراق نفس السيناريو المشروح اعلاه ...فقراء ومن عامة الشعب قفزوا بقدرة قادر وبالصدفة او بالحظ او بالخداع او بالعمالة ...واستلموا السلطة ..فلحسوا وعودهم التي قطعوها على انفسهم ...
بالامس كنت اراقب حدث تناولته فضائية الحرة عراق بالشرح والفحص والتدقيق ...الا وهو ان مجلس محافظة كربلاء المنتخب حديثا ...خصص اربعة مليارات دينار من ميزانية المحافظة لشراء سيارات جديدة لاعضاءه والمفروض ان تصرف هذه المليارات على مشاريع خدمية لمساعدة المواطن الكربلائي ...فاذا بهم يخصصوها لانفسهم ولشراء سيارات للاعضاء ...بمعدل 110 الالاف دولار لكل سيارة ...وبما ان معد البرنامج كان ذكيا ويريد توضيح الفساد في مجلس استلم السلطة منذ ايام فقط ...فقد سأل عن اغلى سيارة وجديدة وتباع في معارض المحافظة ..وحد سعر أغلى سيارة .. لايتجاوز 70 الف دولار ...وتوجد انواع عديدة من السيارات الجديدة ومن احسن الماركات لايتجاوز سعرها 30الف دولار ...
من هنا نستنتج ان هذا العضو الجديد الذي لم يمتلك سيارة في حياته قبل ان ينتخب عضوا ...يريد ان يركب اغلى السيارات ...مما ينطبق عليه الوصف العراقي الدقيق ( اول ماشط نط ) واقول لامثال هؤلاء ...على كيفكم ياناس ؟؟؟ العافية تجي بالتداريج ...
اما المبلغ الزايد من 110 الاف دولار ...اكيد تنزل بالجيب ...مصرف للجهال والويلاد ..
وهنا اتذكر قول الاعرابي لاحد الولاة عندما قال له ( ان اسعفتني الذاكرة على التذكر ؟؟؟)...
سبحان الذي اجلسك على السرير ...وجعل نعليك من جلد البعير ..
ومن الغريب ...ان يخرج علينا شخص تذكرت من صورته انه ربما كان كان يشغل رئيس المجلس السابق وفازثانية بالدورة الانتخابية الحالية ...و جرت المقابلة بعد انتشار خبر الفضيحة واستياء اهالي كربلاء من العمل التبذيري الاستغلالي ..وومبررا العمل هذا باسلوب مكروه ومقيت ...ليقول ..ان كل اعضاء المجلس صوتوا بالاجماع على هذا القرار ...وبضحكة مسمومة مستهزأة بالمواطن ..استطرد قائلا ...وحتى انا ايضا صوتت الى جانب القرار ..وانا اعرف ان المواطنين غاضبين علينا ويريدون الغاء الرواتب التقاعدية ...بربكم اتوجد صلافة اكثر من هذه ؟؟او استهتار بمن اعاد انتخابهم ؟؟؟
وانا اقول ...لو كانت هناك مرجعية حزبية اودينية محترمة وتحترم مشاعر المواطنين والتي ينتمي اليها هذا الشخص ..لالقمته حجرا ...واعادته لمنصب ( مطيرجي في بيته كما كان قبل ان يتحول الى قائد سياسي اعلى في محافظته وكما يشاع وسمعت عنه في مدينته ) ...
وهنا اقول ان كانت هذه النماذج الجديدة التي ستحكم المحافظات التي يقال انها كانت مهمشة ومظلومة في زمن صدام حسين ...فتعالوا لنقرأ الفاتحة على احلام المواطن الفقير في هذه المحافظة التي ستظلم من ابناءها البررة اكثر من زمن صدام ... وبعد رحيل صدام ...
اللهم احفظ العراق واهله اينما حلوا او ارتحلوا
مقالات اخرى للكاتب