بعد أشهر من انتفاضة آذار عام 1991م في معظم المدن والقرى الكوردستانية، والتي يضعها كثير من المراقبين السياسيين بداية لاخترق حاجز الخوف في النظام السياسي الشمولي الذي كان يعم كل الشرق الأوسط تقريبا، دعا الزعيم الكوردي مسعود بارزاني كافة الأحزاب والفعاليات السياسية الكوردستانية إلى إجراء انتخابات عامة لتأسيس مراجع شرعية تمثل الأهالي، في أول خطوة لبناء مجتمع سياسي ديمقراطي، وبنية اجتماعية تحترم ما يقرره الأهالي من اختيارات في شكل النظام، وفي 19 أيار من عام 1992م جرت أول انتخابات برلمانية عامة في المناطق المحررة من كوردستان العراق، شارك فيها ما يقرب من مليون ناخب يمثلون أكثر من ثلاثة ملايين مواطن، وتحت إشراف ومراقبة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومنظماته المدنية وبحضور مراقبين من مختلف دول العالم، لكي يتم توصيفها بأول انتخابات عراقية وكوردستانية حرة ونزيهة ومتطابقة مع المعايير الدولية الديمقراطية في العالم، ينتخب فيها أهالي كوردستان أول برلمان في تاريخهم المعاصر.
في الدورة الأولى لبرلمان كوردستان تنافست سبع كتل سياسية تقدمها الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقائمة مستقلة، تلاه الاتحاد الوطني متحالفا مع كادحي كوردستان، ثم كتلة الوحدة التي ضمت الاشتراكي والاستقلال الكوردستانيين، فيما نزل حزب الشعب ( سامي عبدالرحمن ) بقائمة مستقلة، فيما اجتمع الشيوعيون والمستقلون والاتحاد الديمقراطي بكتلة واحدة، والأخيرتان كانتا واحدة للإسلاميين والأخرى للمستقلين الديمقراطيين، هذا وقد فاز الديمقراطي الكوردستان بأغلبية الأصوات 45.5% تلاه الاتحاد وحليفه بـ 43.61% وتقاسم بقية المقاعد الأحزاب الصغيرة الأخرى مع قرار القيادة السياسية بتخصيص خمس مقاعد للمسيحيين الكوردستانيين.
أما الدورة الثانية فقد تأخرت كثيرا بسبب تعرض الإقليم إلى صراعات سياسية داخلية وخارجية حادة عطلت عمل البرلمان لفترة، الا انه رغم ذلك بقت هذه المؤسسة التشريعية محط احترام وتقدير عاليين، ولم تجرِ طوال تلك الفترة انتخابات من طرف واحد لكي تبقى هذه المؤسسة مرجعية لكل الأهالي، حتى سقوط نظام صدام حسين والبدء ببناء عراق اتحادي ديمقراطي تعددي، فقد جرت انتخابات عامة مع الانتخابات العراقية الأولى في 30 كانون الثاني 2005م، وتنافست فيها 13 قائمة مختلفة على خلفية نظام التمثيل النسبي، وشارك فيها 1753919 ناخباَ من سكان إقليم كوردستان من الكورد والتركمان والكلدان والآشوريين، مسلمين ومسيحيين وإيزديين، وقد زاد عدد أعضاء البرلمان من 105 أعضاء إلى 111 عضواَ ، وتمكنت ثلاث قوائم فقط من مجموع 13 قائمة الحصول على مقاعد البرلمان، وهي كل من : القائمة الوطنية الديمقراطية الكوردستانية (104) مقاعد ( وضمت الحزبين الرئيسيين وبعض الأحزاب الصغيرة)، قائمة الجماعة الإسلامية في كوردستان العراق (6) مقاعد، قائمة حزب كادحي كوردستان والمستقلين (1) مقعد واحد.
وإذا كانت الدورة الأولى للبرلمان الأكثر إثارة وتحديا، فان الثالثة كانت الأكثر تميزا حيث جرت في 25 تموز 2009م، وشاركت فيها 24 قائمة تنافست على 111 مقعداً برلمانياً، وتمكنت 11 قائمة من الفوز بالمقاعد، تصدرتها كتلة الديمقراطي والاتحاد في تسلسل الفائزين، بينما تبلور شكل من أشكال المعارضة لأول مرة وحصلت على ما يقرب من ربع مقاعد البرلمان، كما تميزت هذه الدورة بإجراء أول انتخابات عامة لاختيار رئيس للإقليم من بين مجموعة متنافسين جديين، تقدمهم الرئيس بارزاني بحصوله على 69.60% من أصوات الناخبين.
وبعد عقدين من الزمان على تجربة كانت الأروع في تاريخ شعب كوردستان الذي اختار لأول مرة ممثليه إلى مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية يمثلون بعضا من طموحاته، يتجه اليوم أكثر من ثلاثين فعالية سياسية فردية وحزبية تضم 1129 مرشحا يتنافسون على مقاعد البرلمان الـ 111، بينهم 25 مرشحا تركمانيا سيشغل خمسة منهم المقاعد المخصصة لهم ضمن الكوتا، و15 مرشحا مسيحيا يتسابقون على 5 مقاعد مخصصة لهم و4 مرشحين على مقعد واحد مخصص للأرمن، في عرس ديمقراطي نجح خلال عشرين عاما في انجاز مجموعة كبيرة من التشريعات التي تجاوزت الـ 309 قانون نظمت الحياة الاجتماعية والإدارية والسياسية والاقتصادية في البلاد بما جعلها بحق واحة من واحات الأمن والسلام والازدهار.
مقالات اخرى للكاتب