لأول مرة تعلن وزارة الداخلية أنها ستطبّق خطة أمنية جديدة وتظهر في الحال عواقبها الملموسة، وهي عواقب إيجابية. فأمس كانت انسيابية الحركة في معظم شوارع بغداد بدرجة جيدة (لا أقول جيدة جداً حتى لا نُصاب بالحسد، أو حتى لا تعود الوزارة عن قرارها!!) بخلاف ما كانت عليه أول من أمس وفي معظم الأيام السابقة من حال اختناق غير معقولة... ودائماً لا نعرف السبب، فوزارة الداخلية وسواها من المؤسسات الأمنية والدفاعية، والحكومة كلها في الواقع، بينها وبين الشفافية عداوة متأصلة في ما يبدو.
على أية حال، أمس لم نُحتجز نصف ساعة أو أكثر عند كل نقطة تفتيش .. وأمس لم تواجهنا عند هذه النقاط وجوه تضجّ بعدوانيتها .. وأمس لم يُعطنا عناصر هذه النقاط الانطباع بانهم متعمدون التضييق علينا تعمداً بأوامر "من فوق" .. أمس مضت الأمور في شوارع العاصمة وساحاتها بسلاسة( والحسود بعينه عود).
ماذا يعني هذا؟
انه يعني اعترافاً ضمنياً بان الخطط الأمنية التي طُبّقت في السابق كانت فاشلة .. وهذا ما قلناه عبر الإعلام، وما كان يقوله الناس في محافلهم، وما ردده مسؤولون في الحكومة وأعضاء في البرلمان .. وكان من الغريب والعجيب ألا تُبدي الحكومة والأجهزة الأمنية أي رد فعل يدلل على تجاوبها مع اتجاهات الرأي العام في هذا الخصوص.
الآن سنشهد، نحن سكان العاصمة، تطبيق خطة أمنية جديدة " تُركّز على الجهد الاستخباري، فضلاً عن نصب كاميرات مراقبة في عموم شوارع بغداد"، بحسب ما أفاد به الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الأسدي.
هذا جيد، لكن الأجود منه أن يكون للناس دور رئيس في هذه الخطة أو أية خطة لمكافحة الإرهاب والجريمة. الناس هم العنصر الأساس في نجاعة الخطط الأمنية وغير الأمنية .. الجهد الاستخباري لا ينهض به عناصر الاستخبارات وحدهم، فلابد من تعاون الناس معهم .. أفضل المعلومات موجودة لدى هؤلاء الناس من سكان المناطق والأحياء وأصحاب الدكاكين والمحال التجارية والعاملون فيها وسائقو السيارات وركابها ومستخدمو الشوارع.
لا حاجة لتقديم "أجور" عن هذه المعلومات، فالأمر يتطلب فقط علاقة طيبة من الحكومة وأجهزتها مع هؤلاء الناس .. هذه العلاقة تكون بالتعامل الإيجابي من عناصر الشرطة والجيش والأمن وسائر موظفي الدولة مع الناس .. وهذه العلاقة تكون بالسعي الجدي من الحكومة لتقديم الخدمات الأساسية للناس .. وهذا يتطلب قبل كل شيء عملاً جدياً من الحكومة وسائر مؤسسات الدولة لمكافحة الفقر والبطالة والفساد المالي والإداري، الآفة الكبرى التي تنخر جهاز الدولة برمته.
في إقليم كردستان هناك أمن واستقرار وتنمية، والسر الأعظم في هذا هو وجود علاقة طيبة بمستوى معقول بين حكومة الإقليم والناس، بخلاف الأمر لدينا حيث لا يوجد مثل هذا المستوى إلا بين الحكومة وطبقة محدودة من المستفيدين منها، معظم أفرادها من الفاسدين... في الإقليم يجد فساد ويوجد تقصير. لا مجال لنكران هذا، لكنهما بدرجة معقولة ومقبولة، بخلاف ما لدينا، حيث يستولي فسدتنا على الجَمل بما حمل.
مقالات اخرى للكاتب