1 - امناء بين قوسين
الاجهزة الامنية التي هُزمت في سجن ابو غريب، على نحو شنيع، امام قطعان منفلتة، بلحى ودشاديش قصيرة، ارادت ان ترد هيبتها بطريق معكوس، ليس في ساحة المواجهة مع الارهابيين، بل في استعراض القوة و”العين الحمراء” امام متظاهرين يطالبون بحماية ثروة البلاد من التبديد والاهدار والفساد، فامعنت في مخاشنتهم، وايذائهم وتقطيع اوصال الطرق حيالهم، واستعمال العصي الكهربائية لجلد الفتيان واعتقال الناشطين، في واحدة من اختبارات الادعاءات بالتزام القانون والدستور والديمقراطية، وصدقية “التعاطف مع مطاليبهم” كما نُسب الى رئيس الوزراء.
2 - سيدة ترافع عنا
في ساحة الاندلس كان ضابط قوة مكافحة الشغب متوترا ومستفزا، يذكرني بضباط نظام الدكتاتورية في طريقة تعاملهم مع الناس. دفع سيدة ترفع علما عراقيا لم تكن قد عملت شيئا إلا اصرارها ان لاتتزحزح من الشارع. اقتربتُ منه لاطلب منه مراعاة القانون وحق الناس بالاحتجاج وتذكيره ان التظاهرة سلمية ومتحضرة وعادلة. تركني ليقول للسيدة المتظاهرة باستفزاز: “شتسوين هنا ويّه الزلم؟ انتي مره.. اكعدي ببيتج” احتجت السيدة المتظاهرة بأدب جم وقالت له: هل انت تعرف هؤلاء الزلم؟ انهم اشرف ابناء الشعب العراقي. انهم وطنيون ويحبون شعبهم. انظر لهم.. من منهم يحمل سلاحا او عصى . كلهم يحملون علم العراق وشعارات تطالب باشياء هي في صالحكم ايضا. بعدين.. ليش ما تروحون للارهابيين اللي يفجرون الناس.؟. ليش تعتدون علينا.؟. وهنا اغار عليها مرافق للضابط بهراوة وضربها، واطاح بها على الارض.
3 - جريمة ان تكون متحضرا
وعلى مرمى من هذا المشهد، في شارع النضال، كان شابان من المتظاهرين يجمعان القناني الفارغة من الارض في اكياس كبيرة، هي جزء من التزامات شبيبة التظاهرة ان يحافظوا على نظافة الشوارع والساحات التي يتجمعون فيها. يبدو ان ذلك لم يكن مريحا لصف من قوة “مكافحة الشغب” التي قبضت على احد الشابين، ومصادرة هاتفه، والتحفظ عليه، باعتباره ارتكب جريمة “يعاقب عليها القانون” ومن بين ايديهم كان الشاب يهتف: عاش العراق. لا تقاعد للنواب. لا مكان للارهاب. سلمية. سلمية.. كلهم حرامية. ما نتراجع.. ما نتراجع.. وضاع صوته الراسخ في ما وراء صف القوة السوداء.
4 - الحق يتظاهر
هل رأيتم العائلة البصرية.. الأب وزوجته وابناءه.. التي سارت لوحدها في شوارع فرضت الشرطة عليها ما يشبه منع التجوال، متظاهرة ضد المهانة التي تعانيها الملايين، في ظل سلطات الفساد والمحاصصة والنهب واحتكار الامتيازات والخدمات والوجاهات؟ لقد مثلتنا هذه العائلة جميعا في صورة التحدي المُلهم بكفالة حق التظاهر والاحتجاج والتعبير الحر عن الرأي، واقترحت علينا ان نتعلق بأمل ان تقول الملايين كلمتها الفصيحة.. غدا ؟.
“إننا بحاجة إلى الخيال كي نواجه تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء”.
خورخي بورغيس- روائي ارجنتيني
مقالات اخرى للكاتب