الموقف الرسمي الهزيل واللامسؤول لحكومة العبادي من ارادة الشعب المتمثلة بتظاهرات ساحة التحرير وباقي محافظات الوسط والجنوب.
يقودنا الى استخلاص الدرس التالي في كيفية التعاطي مع ما يجري الان على ارض الواقع.
والذي يمكن تلخيصه في نقطتين, مع ملاحظة بسيطة.
١- النقطة الاولى :
الاصرار على اعادة صياغة الدستور بالشكل الذي يضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار, وليس العكس. كما نحن عليه الان, حيث الشعب والوطن قد ضاعا امام غرائز اعضاء الحكومة المنتخبة.
وذلك بالتركيز اولا وقبل كل شئ, على وجوب الفصل بين الدين والسياسة كخطوة احترازية.
وبعبارة اخرى, استصدار قانون يحظر المشاركة في العملية السياسية على كافة الاحزاب والتجمعات والتيارات و…. ذات الصبغة الاسلامية, ومن دون استثناء.
املا في ضمان مستقبل واضح المعالم للعملية السياسية لاجيالنا القادمة, بعيدا عن روح التاويل والتفسير.
ولا اظن ان مثل هذا الاجراء يعد خنقا للحريات, لو نظرنا اليه من زاوية ما هو الاصلح للشعب.
كما انه ليس حديث عهد على العالم الاسلامي.
فهنالك تجربة مصر, الاردن و …., حيث الموقف الصارم من جماعة الاخوان المسلمين.
بل ان الوضع في العراق اهم واخطر بكثير.
وذلك نظرا لثرواته النفطية الهائلة, والتي ستغري ببريقها اللامع بلا شك كل قيادات حزب الدعوة والمجلس وباقي التيارات الاسلامية السنية منها والشيعية, بالضبط كما يحدث اليوم.
تلك القيادات الجاثمة ظلما وعدوانا على صدر العراق والعراقيين.
والتي لا تتردد ابدا في ازالة كل من يعترض طريقها الى تلك الثروات, ولو على حساب الدين والوطن والمبدا, بل وحتى شراء الذمم, واستصدار الفتاوى الجاهزة قيد الطبع.
وهنا تجدر الاشارة الى ان دور الاجراءات المذكورة اعلاه, انما ياتي بعد استجواب كل المسؤولين الحكوميين على مدى الدورات الانتخابية منذ السقوط والى اليوم, امام محكمة شعبية علنية.
لمحاسبتهم على اخر دينار اخذوه من دون وجه حق, فضلا عن سحب كافة الصلاحيات والحصانات والامتيازات التي يتمتعون بها.
مع فصلهم من مناصبهم ووظائفهم, وتطبيق الحكم القضائي بحقهم, والذي يتناسب وحجم جرائمهم.
٢- النقطة الثانية :
عدم توقع موقف صارم وجاد من المرجعية الدينية العليا في النجف, فيما يتعلق بالازمة الحالية مع حكومة العبادي.
فالمرجعية كما يبدو تسعى قدر الامكان للحفاظ على مسافة واحدة في موقفها من جميع اطراف العملية السياسية
وهي حرة في اتخاذ الموقف الذي تراه مناسبا, اذ لا بد وان لها اسبابها ومبرراتها.
كالسعي مثلا لسد الطريق امام اية مشاحنات, او استغلال لموقف دون اخر. قد يؤدي بالنتيجة الى انزلاق خطير, ربما ينتهي بحرب اهلية لا سمح الله. .
وذلك بالرغم من ان مثل هذا الموقف الشبه الحيادي للمرجعية على ما يبدو, يصطدم وبلا شك مع روح الشريعة التي تنادي بالعدل والانصاف.
يقول الامام علي ( ع ) في نهج البلاغة :
« لَنْ تُقَدّس أُمّة لا يُؤخَذ لِلضَّعيفِ فِيهَا حَقَّهُ مِنَ الْقَوِي ».
« لأنْصِفَنَّ الْمَظْومَ مِن ظَالِمِهِ، وَلأَقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ، حِتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الْحَقِّ وَإنْ كَانَ كَارِهاً »
« أخذ الله على العلماء ـ الواعين ـ ألاّ يقارُّوا على كظّة ـ تخمة ـ ظالم، ولا سغب ـ جوع ـ مظلوم »
و ….
ومن هنا.
فالاجدر بالشعب العراقي ان يعتمد على الله وعلى نفسه فقط, وان لا يتوقع المعجزات من اي احد لاخراجه من هذا النفق المظلم.
اذ ليس من المعقول ان يجلس القرفصاء واضعا احدى يديه على الاخرى, بانتظار خطبة الجمعة, وما سيتفضل به السيد احمد الصافي ممثل المرجعية الدينية في كربلاء.
بل لا بد ان يثبت الشعب وجوده الفعال للاخرين, وانه صاحب الحق, والكلمة الفصل, وانه السيد المطاع في البلاد بلا منازع, حتى لو تطلب ذلك اللجوء الى القوة.
نعم, لو خرجت خطبة الجمعة للسيد احمد الصافي ممثل المرجعية الدينية في كربلاء لصالح الشعب, فهو خير زائد, او خير على خير كما يقال.
حيث تستحق المرجعية الدينية حينئذ كل الاحترام والشكر والتقدير.
اما لو بقي موقف المرجعية على حاله كما هو الان, ميالا الى الحياد.
فالشعب قد قال كلمته, ولم يضيع الوقت الذي يعادل بلا شك ضمان امنه وحريته ورخاءه لعقود وعقود.
هذا فيما يتعلق بالنقطة الثانية.
اما الملاحظة البسيطة فتتلخص كالاتي :
التاكيد على وجوب فصل الدين عن السياسة اعلاه.
لا يعني بالضرورة ان العراق سيصبح الفردوس الارضي بغياب الاسلاميين عن المشهد السياسي.
وان غير الاسلاميين هم محض اخلاص ووفاء, تفوح منهم رائحة الوطنية والنزاهة من على بعد اميال.
بل ان تجربة ما بعد السقوط بمرارتها والى يومنا هذا, اثبتت بما لا يدع مجالا للشك, عدم اهلية الاسلاميين لقيادة الامة بالشكل الذي ينبغي.
حيث الفساد يجري في عروقهم مجرى الدم في شرايين البدن.
ومن هنا, لم يبق بيد الشعب العراقي والحالة هذه, سوى هذه الورقة الاخيرة, المتمثلة باعطاء الفرصة لباقي الاتجاهات والاديولوجيات الوطنية, القومية, و …..
لعلها تكون مصداقا للقول :
( أهوَنُ الشَّرَّيْنْ ).
مقالات اخرى للكاتب