٧/ انَّ في تجرِبة الامام أَميرُ المؤمنين (ع) بهذا الصّدد درسٌ ثرٌّ ينبغي علينا جميعاً دراستهِ وتحليلهِ بما ينفعُنا درساً في طرق صناعة مراكز القِوى المؤثّرة في السّاحة.
فالإمامُ عليه السّلام لم يَشْكُ من قلَّةِ عددِ أَصحابهِ وانّما كان يشكو من نوعيّتهم، ولذلك وصفهُم مرّةً بقولهِ (ع) {إِنَّكُمْ ـ وَاللهِ ـ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ، قَليِلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ} بعدَ ان فصّلَ (ع) حالهُم كنوعيّة رديئة وليس كعددٍ، قائلاً {كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ، وَالثِّيَابُ الْمتَدَاعِيَةُ! كُلَّما حِيصَتْ مِنْ جَانِب تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ، كُلَّما أَطَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُل مِنْكُمْ بَابَهُ، وَانْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَّبَّةِ في جُحْرِهَا، وَالضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا.
الذَّلِيلُ وَاللهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ! وَمَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِل}.
وهو بالضّبط حال [الكتلة النيابيّة الاكثرُ عدداً] لانّها أَضعف وأَردأ ما تكون من ناحية النّوع! أنتجها قانون الانتخابات الحالي الذي ساعدَ {الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} على تبوُّء مقعدها تحت قُبّة البرلمان عِوضاً عن الطّاقات الوطنيّة الخلّاقة التي تتميّز برصيدِها الشّخصي المُميّز والمعهود!.
وليس المقصودُ بالنّوعية هنا كونُ مَن كانَ مع الامامِ (ع) نَكِرات مثلاً او حديثي عهدٍ بالإسلامِ أو ليس لهم تاريخٌ جهاديٌّ او ما أشبهَ ذَلِكَ، أَبداً، فعلى العكسِ من ذَلِكَ تماماً فلقد كان [أصحابهُ] إمّا اصحاب رَسُولِ الله (ص) من قَبْلُ او مِنَ التّابعين، ومع ذلك فانَّ نوعيَّتهم كانت رديئة على صعيد تشتُّت الاهواء وعدم الطّاعة والانضباط وكونهُم كانوا يقَعون فريسة الدّعايات والإشاعات بسُرعةٍ، وأنّهم كانوا يُستغفَلونَ ومن مُزدَوَجي الشّخصيّة ومتقلّبي المِزاج! والى غيرِ ذلك.
لقد حدّد الامامُ (ع) عوامل ومقوّمات وأُسس صناعة موازين القِوى العسكريّة والسياسيّة في المجتمع في خطابٍ قال فيهِ وقد تواترت عليه الاَخبارُ بآستيلاءِ أصحابُ معاوية على البلاد، وقدِم عليه عاملاهُ على اليَمَنِ ـ وهما عبيدُالله بن العبّاس وسعيد بن نمران ـ لمّا غلبَ عليها بُسْرُ بن أبي أَرْطَاة، فقام (ع) إلى المنبر ضجِراً بتثاقُلِ أَصحابهِ عن الجهادِ، ومخالفتهُم لهُ في الرأْي، وقال {وَإِنِّي وَاللهِ لاََظُنُّ هؤُلاءِ القَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِماعِهمْ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ في الحَقِّ، وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ في البَاطِلِ، وَبِأَدَائِهِمُ الاَْمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ، وَبِصَلاَحِهمْ في بِلاَدِهِمْ وَفَسَادِكُمْ، فَلَو ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْب لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاَقَتِهِ}.
أربعةُ عواملَ، إذن، هي حسب التّسلسل الذي ورد في خطاب الامام (ع) بغضّ النّظر عمّا اذا كُنتَ على حقٍّ او باطلٍ، وهي العوامل والاسباب التي تُسمَّى بسُنّةِ الله تعالى في خلقهِ، وهيَ؛
الاجتماع والذي لا يعني الذوبان وانّما الإتفاق على الحد الأدنى على الاستراتيجيّات والسّياسات العامة.
*الف وباء؛ الطّاعة والانضِباط والالتزام، وعدم التمرُّد على القانون الذي يحكم العلاقة بين الرّئيس والمرؤوس وبين الأصيل (النّاخب) والوكيل (النّائب) في كل قضيَّةٍ من القضايا وخاصّةً الخلافيَّةِ منها.
وهي اليوم مشكلةُ [الكتلةِ النيابيّة الاكثرُ عدداً] فلقد وصل بها الحال ان سيطر عليها التفرُّق حتّى تحوّلت الى {طَرَائِقَ قِدَدًا} فكانت مصداقاً واضحاً لقولهِ تعالى {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} ومعنى الرّيح هنا، وكما هو واضح، الارادةِ! ولذلك لم يبقَ لِهذهِ الكُتلةِ شيئاً عندما ذهبت إِرادتها بسبب نزاعاتها التي لا تنتهي!.
ولا يعني الاتّفاقُ هنا وعدم أَلْإِخْتِلافِ ان يذوبَ الواحد بالآخر، أَبداً، فتلكَ حالةٌ مَرَضيّةٌ مذمومةٌ يخسر بسببِها المجتمع كلّ فرص التقدّم والتطوّر والتّنمية! وانّما المقصود هو الالتزام بالحدّ المعقول بالمصالح العليا لحمايتها ودرء المفاسد! وهذا ما افتقدهُ [اصحاب الامام] و [الكتلة النيابيّة الاكثرُ عدداً] وبذلك ضاعت المصالح العليا وطوَّقتنا المفاسِد من كلّ صوبٍ!.
*جيم ودال؛ الاصلاح والصّلاح وأداء الامانةِ وعدم التورّط بالفسادِ بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ! وخاصّةً المالي والاداري على صعيد الدّولة ومؤسّساتها!.
ولشدَّ ما أثار انتباهي قولهُ عليه السّلام وهو يصفُ فسادَ [أصحابهِ] الذين غابت عنهم الامانةِ نهائياً {فَلَو ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْب لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاَقَتِهِ} فلقد رأَيتهُ ينطبقُ على [الكتلة النيابيّة الاكثرُ عدداً] حذوَ القذّةِ بالقذَّةِ والنّعلِ بالنَّعلِ! ولشدّة التّطابق تدّعي الجماعتان انّهُما [أَصحابهُ] عليهِ السّلام!.
وفي موقفٍ حاسمٍ عبَّر فِيهِ الامام (ع) عن رفضهِ المُطلق للكثرةِ العدديَّةِ التي لم ولن تُغيّر من الواقع شيئاً، اذا لم تكن تتميّز بنوعيَّةٍ مُحسَّنةٍ تمنّى الامام ان يصرِفَ عدُّوهُ اللّدود [أصحابهُ] صرْفَ الدِّينارِ بالدِّرهم {لَوَدِدْتُ وَاللهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَني بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ، فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةً مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلاً مِنْهُمْ!}.
انّ تغيير قانون الانتخابات سيفتح البابِ على مصراعَيهِ لتحقيقِ [حُلُمِ] الامامِ (ع) فقد يتمكّن النّاخب من صرفِ نوّاب [الكتلة النيابيّة الاكثرُ عدداً] صرف الدّينار بالدِّرهم!.
*يتبع
مقالات اخرى للكاتب