العراق تايمز ــ كتب.. كاظم فنجان الحمامي: أغلى ما نملكه في حياتنا: هو التشبث بكرامتنا وعزتنا ونخوتنا, وأفضل ما نقوم به في حياتنا هو رفضنا القاطع لكل شكل من أشكال الإذلال والتركيع والانبطاح, فكرامتنا مرهونة دائماً بمواقفنا الوطنية النقية, ومرتكزة على ما ننجزه في حياتنا من مواقف واضحة, لا تعرف التخاذل, ولا تعرف المداهنة, ولا المجاملة ولا المواربة.
أما الذين سخروا أقلامهم لغير الحق, والذين اختاروا الوقوف خلف التل, ولم يقفوا معنا في الدفاع عن حرمة مسطحاتنا البحري وممراتنا الملاحية, فلا كرامة لهم ولا احترام, لأنهم تخلوا عن دورهم الوطني في التمسك بحقوقنا السيادية, ولا مصداقية لمن يرى (الذئب), ويقول: أنه حمل وديع, وليس ذئباً.
ربما يطول بنا المقام لتشخيص الحالات الغريبة التي تتجزأ فيها الروح الوطنية لدى الناس, وتتوزع على تصنيفات تحمل من التشتت والتناقض ما يثير العجب, وتضع المواطن الأصيل في أوضاع محبطة ومتخبطة, أقل ما يقال عنها أنها تسحبه إلى الدرك الأسفل من الخذلان.
لكننا سنختصر المسافة ونضع اليد على مكان الجرح المؤلم, فنلقي الأضواء على إفرازات مشاكلنا الحدودية في مياهنا الإقليمية, لنرى تشرذمات المواقف الوطنية بصورها المتعددة, ونرى كيف طغى الصمت المطبق على الغالبية العظمى من عامة الناس, الذين كانوا يخرجون إلى الشوارع بالآلاف لمناصرة (شذى حسون) في معاركها الغنائية, أو بإطلاق العيارات النارية العشوائية لمناصرة أبطال كرة القدم, أو لمؤازرة الانفعالات الموسمية للكيانات السياسية الغاضبة, فنراهم يهرعون إلى الشوارع في حشود وجماعات مشفرة بتقنيات التوجيه الإعلامي وأدواته السمعية والبصرية المؤثرة, أو باستنفار عناصر المؤسسات الخدمية أو التعليمية, فيخرج الموظفون والطلاب إلى الساحات العامة للتظاهر بعبارات وشعارات موحدة تطلقها المنظمات الحزبية أو الوزارات المعنية, بقصد إعلان الشجب أو التأييد للحالات الانتقائية التي دائماً ما تصب في مصلحة النظام الحاكم.
أحيانا تنفرد المؤسسات الدينية بتنظيم المظاهرات العارمة للاحتجاج على موقف من المواقف الاجتماعية أو السياسية بفتوى شرعية يصدرها رجال الدين في إطار الممارسات المشرعنة أو المسيسة, والتي غالبا ما يطغى فيها الحراك الطائفي على الوطني.
لم تكن قضية خور عبد الله, ولا قضية شط العرب من ضمن القضايا, التي نالت استحقاقاتها الوطنية المجزية, إلا في مساحات ضيقة تبنتها بعض الكيانات الدينية والسياسية, التي لا نريد الإشارة إليها بالاسم حتى لا يفقد الموضوع مضمونه.
بمعنى أن معظم المواقف الوطنية صارت تخضع لتقنيات التشفير, ويتحكم بها رموت التحريض والتوجيه, فيكون الإنسان فيها مجرد عنصر من عناصر برامج الاستنفار في مسارح السيرك السياسي, وبات بإمكاننا أن نضع هذه الممارسات في خانة (الوطنية المُسيَّرة), ناهيك عن بعض المواقف الضعيفة, التي يتبناها بعض الناس بقصد درء الخطر عن أنفسهم, أو لمجاراة الأوضاع, وهي مواقف زئبقية مرفوضة تندرج تحت عنوان (التقية).
أما صورة المشاعر الوطنية العفوية النقية المعبرة عن الروح الصادقة, المندفعة ذاتيا نحو الذود بالدفاع عن حقوق العراق, فقد انحسرت وتلاشت تقريباً, في الوقت الذي وقفت فيه القلة القليلة من المدافعين عن حقوقنا البحرية السيادية في الزاوية الضيقة من رأس الهرم المتهشم, وتجلت مواقفهم الوطنية الصادقة في أبهى صورها ببعض الندوات العلنية المتواضعة, التي شارك فيها النزر اليسير من السياسيين, والتي لم تكن مدعومة من كتلة سياسية, ولا من أي جهة حكومية, ولا من أي منظمة من منظمات المجتمع المدني.
فانحصرت مواقف المطالبة بحقوقنا بثلة قليلة من المواطنين المؤمنين بقضايانا المصيرية, لكنها تركزت في إطار ضيق من محافظة البصرة, بينما وقفت المحافظات الأخرى موقف المتفرج القلق, الذي لا علم له بالشأن البحري, ولا قدرة له على التمييز بين الخطأ الملاحي والصواب السياسي في خضم هذا الدعم الحكومي المتواصل لاتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله.
اختار الأكاديميون مبدأ (التقية) في مواقفهم الوطنية الضعيفة الخجولة, فعقدوا المؤتمرات العلمية لمناقشة التغيرات الجيولوجية في أحوض الأنهار الكندية بقارة أمريكا الشمالية, لكنهم لم يجرءوا على التطرق للتغيرات الجيولوجية في حوض خور عبد الله, ولم يبينوا للناس تداعيات الانكماش الهائل في مسطحاتنا البحرية المتقلصة إلى الداخل.
وهكذا تذبذبت مواقف الناس بين المشاعر الوطنية العفوية النقية المؤمنة بالانتصار للعراق, وبين السياقات الوطنية البليدة القانعة بالوقوف فوق هضبة الصمت المطبق بانتظار توجيهات الزعماء الذين فرطوا بحقوقنا, من دون أن يكترثوا لما ستؤول إليه حدودنا الساحلية المتراجعة. .
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين