د. أدم بيدار: الأحزاب الإسلامية الكوردستانية لم تربي جماهيرها على دعم الأديان والقوميات المتأخية في الإقليم.
كانت أرض العراق ولاتزال واحدة من أخصب البيئات التي إستقبلت موجات متباينة من الأفكار والفلسفات والأديان والمذاهب على مر العصور. ومنها التي تأصلت وتجذرت فكرياً، وأخرى فرضت عنوة، وغيرها صمدت بحكم المغريات المادية. هذه الصراعات التي وصلت إلى حد شهر السيف والتكفير والسبي والتهجير القسري، وقفت ورائها في الكثير من المراحل أيادي مكسوة بكسوة الفكر الديني الفئوي، الذي يخدم الفكر المتطرف. وعلى الأغلب أمست الحلقات الأضعف في المجتمع العراقي، والتي يمكن وصفها بالفئات المسالمة والمثقفة والوطنية الضحية الأولى والأكبر. وهنا وقع على كاهل الطبقة المثقفة لاسيما المعتدلة منها ثقل مجابهة واقع مرير، واقع يهدد التعايش المشترك الإثني والديني في وطن عمره الحضاري يمتد لأكثر من سبعة ألاف عام. الدكتور الأكاديمي والناشط في مجال المجتمع المدني "أدم بيدار" يعتبر أحد هذه الشخصيات التي إمتازت بمواقفها المرنة، وإخلاصها في دعم قضايا الأقليات القومية والدينية التي أصبحت ضحية الصراعات المذهبية الدينية الإسلامية التي عصفت بالعراق، وبلغت حد إسقاط محافظات برمتها، محافظات أمتازت بتنوعها الإثني بأيدي حركات جهادية متطرفة، تحرم بقائها في أرض الإسلام وبلادهم. الدكتور أدم هو ضيف حوارنا اليوم والذي سنسخره لمناقشة تنامي الفكر الإسلامي المتطرف وطرق وسبل كبحه، ودور المؤسسات الحكومية والشخصيات الأكاديمية ورجال الدين الإسلامي إلى جانب الأحزاب الإسلامية الكوردستانية.
أجرى اللقاء: مركز ديانا للإعلام.
كأكاديمي وإعلامي هل أنت راض عن الجهود المبذولة سواء على صعيد الحكومة أو الإعلام أو الجهات الدينية لنبذ التيارات المتطرفة الصاعدة بإسم الاسلام والتي كانت وراء ولادة القاعدة وداعش؟
بالتأكيد المحاولات ضعيفة وليست بالمستوى المطلوب، كون التنظيمات المتطرفة تبحث دائماً عن الجديد فنياً من أجل وضع التأثير الأكثر على الناس، مثلاً: تنظيم داعش المتطرف يستخدم التقنيات العالية ويبحث عن البدائل خاصة في استخدام الوسائل الإعلامية، لذا يجب أن توجد مؤسسة منظمة لوضع الاستراتيجيات الجديدة لمواجهة الفكر المتطرف.
هل من سبل لها فاعلية أكثر تجاهلتها الجهات المعنية لإجتثاث الفكر الإسلامي المتعصب؟
نعم مثلاً: الجهات الأمنية كان باستطاعتها أن تضع رقابة (فلتر) على شبكة الانترنيت على المواقع المتطرفة، لكن للأسف المواقع متاحة أمام الكل، والشباب خاصة يتابعون هذه المواقع ويقعون تحت تأثير تلك التنظيمات، ولا يجدون بعد متابعة انتاجات المتطرفين من يجيب على أسئلتهم فيبقون حائرين وقد تتطور تأثيراتهم لتصل لمرحلة الالتحاق بهم.
وكان بإمكان الحكومة دعم المؤسسات الفكرية المعتدلة من أجل نشر أفكارها الداحضة لفكر التنظيمات المتطرفة، لتقوم هذه المؤسسات بمهامها عن طريق الحملات الوطنية الفكرية ونشر الكتب لكل المستويات وعقد المؤتمرات والندوات الفكرية وغيرها مما يمكن أن يكون لها تأثير قوي لرد الأفكار المتطرفة.
وكذلك وضع ضوابط صارمة لمعالجة كل من يوجه الخطاب الديني المتطرف وتطبيق هذه الضوابط.
والأهم من كل هذا اتفاق الأحزاب الرئيسة في إقليم كوردستان على مواجهة الفكر المتطرف بشتى أشكاله وعدم زج هذه المسألة الخطيرة في الصراعات السياسية.
في السنوات الأخيرة إلتحق العشرات من الشباب الكورد بصفوف الدولة الإسلامية في العراق والشام، برأيكم ماهو الدافع أو الخلل الذي جعل هؤلاء الشباب يتركون بيوتهم وأسرهم ويحاربون أخوانهم إلى جانب أشخاص غرباء؟
فتح المجال أمام أناس يوجهون الخطاب الديني المتطرف الذين يهيئون هؤلاء الشباب فكرياً للمرحلة التالية، إذ تقوم التنظيمات المتطرفة من طريقتهم بهؤلاء الشباب ويقرمشون التطرف المكون لديهم فيصلون بهم لمرحلة القناعة التامة بفكر هذه التنظيمات والالتحاق بها.
لديكم مواقف إيجابية ومشاركات فيما يخص دعم القوميات والأديان المتأخية في الإقليم، لكننا نلحظ أن أمثالكم في الإقليم عددهم محدود ولايتجاوز في أغلب الأحيان عدد اصابع اليد الواحدة؟
لا يزال الشارع الإسلامي الكوردستاني متأثر بشكل كبير بجزء كثير من التراث الذي لا يشجع على ما نقوم به نحن من توطيد العلاقات الأخوية بين أتباع الأديان في جنوب كوردستان، إلى جانب ذلك الكراهية بزنس لا يزال لها فوائد شخصية وحزبية، فهناك من يستغل هذا النوع من البزنس، ولا ننسى قلة الوعي الديني الصحيح المعتدل، لأنها هي العائق الأكبر أمام توسعة دائرة المهتمين بالسلم المجتمعي.
في الفترة الأخيرة نشعر أن البرامج التوعوية ولاسيما الإعلامية تتجاهل أتباع الديانات الاخرى، وفي الكثير منها يكون المقدم والضيف من نفس الديانة وعلى الأكثر يحملون الهوية الإسلامية، هل برأيك هذه طريقة ناجحة لإيصال رسالة أتباع الديانات الاخرى أو الدفاع عنهم؟
لا يمكن أن نبخس من أي خطوة أيجابية باتجاه الانفتاح على الآخر المختلف وتقبله والعيش معه بطريقة سلمية، بما أن أغلبية السكان مسلمين فيمكن أن تقوم هذا النوع من البرامج بتوعية الأغلبية، لكن لا يعني هذا أن نستغني عن البرامج الأخرى كما قدمناه في (جيهاني ئادةم – عالم آدم-) من شبكة رووداو ، وذلك لإتاحته الفرصة لأتباع كل الأديان بدون تمييز عن وجهة نظرهم وهمومهم، لأن هذا النوع من البرامج فرصة ثمينة لتصحيح الصور النمطية عن المكونات باتجاه توطيد العلاقات الأخوية والتسامح.
كيف يمكن إعادة جسور الثقة المهدومة بين الأديان والقوميات المتأخية في سنجار وسهل نينوى بعد تحرير المحافظة ؟
حقيقة هذا تحدي كبير أمام الحكومات الموجودة في المنطقة وكذلك المنظمات الداعمة للسلام والناشطين في مجال التعدد، فبتصوري من الضروري جداً أن نفرق بين الجناة وغيرهم، وكذلك محاكمة الجناة، وإعادة الإعمار والبنية التحتية للمنطقة، ودعم المبادرات المدنية من أجل مداواة هذا الجرح العميق.
برأيكم الشخصي هل من الممكن أن توظف منابر المساجد لمد جسور الثقة وتقوية روابط التأخي والتعايش المشترك بين المسيحيين والمسلمين والإيزيديين في مدينة الموصل، أم أن التطرف الديني في المدينة لايسمح بذلك؟
بما أن مجتمعنا مجتمع متدين بمعنى لرجال الدين الكلمة العليا عليه أو كلمة رجال الدين وعلمائه مسموعة لدى هذا المجتمع، لذا دور المنابر الدينية بكل الأطياف ضروري جداً ويمكن أن تقوم هذه المنابر بهذا الدور الإيجابي، لكن الطريق ليس مفروشاً بالورود، بل يحتاج لوضع استراتيجية واضحة لهم من أجل الوصول إلى الهدف، لأن مواجهة بقايا داعش فكرياً وتنظيماً ليست بالأمر السهل.
البعض ينتقد الجهات المعنية في الإقليم من حكومة وإعلام وأكاديميين بأنهم يهملون المعاناة المسيحية وماخسروه بعد النزوح الكبير من مدينة الموصل وسهل نينوى، هل تتفقون مع هذا الكلام؟
يجب أن نكون واقعيين، قام الإقليم بتقديم خدمات مشكورة حكومة وشعباً، لكن ليست بالمستوى المطلوب، لا شك أن وقوعه في هذه الأزمة الخانقة عائق كبير وراء عدم قيامه بالدور الملقاة على عاتقه على أكمل وجه، إلى جانب ذلك قلة الوعي وعدم تحمل المسؤولية هما أيضاً عاملان رئيسيان وراء التقصير أيضاً.
برأيكم لماذا لاتتحرك الأحزاب الإسلامية في الإقليم ومع التأريخ الطويل من التعايش المشترك والتضحيات الجسام، لدعم القوميات والأديان الاخرى ولاسيما المسيحية والإيزيدية في الإقليم؟
لأنها لم تربي القاعدة الجماهيرية التابعة لها على هذا الدعم، وقد لا يجني فائدة سياسية مباشرة مثلا أثناء الانتخابات من القوميات والأديان، لذا على الأكثر لا تبذل جهودها في هذا الحقل.
نشعر أن المؤسسات الفكرية والثقافية الإسلامية لاتتحرك ساكناً لفتح حوارات مع أتباع الديانات الاخرى وهي المتنفذة ولديها من الإمكانيات المادية والبشرية الكثير؟
لا يمكن أن نعمم الحكم، ولا نرى الجهود المبذولة، المؤسسات قدمت جهود مشكورة، لكن المشكلة تكمن في عدم وجود استراتيجية واضحة للحفاظ على التعدد طبعاً للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، فكان السبب وراء عدم الوصول إلى المقصود وبقاء الجهود المبذولة مشتوتة كما هي عليه، فمن الممكن أن تكون وضع هذه الاستراتيجية بدور كبير في الوصول إلى المقصود.
مقالات اخرى للكاتب