نشر السيد عادل عبد المهدي، العضو القيادي في المجلس الإسلام الأعلى في العراق، مقالاً بعنوان "التحالف الوطني"... خطوة إلى الأمام"، في جريدة العالم اليومية التي تصدر ببغداد. والسؤال الذي يبادر إلى ذهن الإنسان العراقي السوي هو: هل تشكيل "التحالف الوطني"، أو "البيت الشيعي"، كان خطوة إلى الأمام أم خطوات فعلية كثيرة جداً إلى الوراء، حتى بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع في العهد الملكي؟ اعتقد جازماً أن السيد عادل عبد المهدي لو فكر بالعمق الضروري والحيادية الضرورية لأدرك تماماً بأن هذه الخطوة، التي اقترحها في حينها الدكتور أحمد الجلبي، كانت أكبر إساءة إنسانية وجهت لمبدأ المواطنة الحرة والمتساوية وسعت إلى تكريس الهويات الفرعية القاتلة، التي لعبت دورها المميز في توجيه ضربة قاسية جداً للوحدة الوط\نية العراقية وللنسيج الوطني الاجتماعي العراقي. وإذا كان المجتمع يتقدم دوماً نحو ممارسة حقوق الإنسان والابتعاد الكلي عما يعيق تطور مفهوم المواطنة المتساوية والمشتركة، فأن الأحزاب الإسلامية السياسية القائمة على أساس المذاهب العديدة، سنية كانت أم شيعية، والتي تمارس، دون أدنى ريب، سياسات طائفية تميز بين أتباع الديانات والمذاهب في غير صالح وحدة المجتمع، تقود تماماً إلى ما هو عليه الحال البائس حالياً بالعراق الطائفي المقيت.
ولكن السيد عادل عبد المهدي لا يكتفي بذلك، بل يؤكد بأن هذه الأحزاب الشيعية المؤتلفة في ما أطلق عليه بالتحالف الوطني، تحتاج إلى وحدته السياسية، تماماً كما أنجزت وحدتها الأمنية بتشكيل ووحدة "الحشد الشعبي". وهنا يفضح السيد عادل عبد المهدي، شاء ذلك أم أبى، طبيعة "الحشد الشعبي" الطائفية التي تعود للأحزاب الشيعية بالعراق من جهة، وللمرشد الأعلى بإيران من جهة أخرى، وهو الأمر الأخطر عموماً على مستقبل العراق. وهذا الموقف السياسي والعسكري ينسف الدعوة الشكلية التي وجهها عمار الحكيم بتشكيل قائمة عابرة للطوائف، إذ إنها شبيهة تماماً بما أقدم عليه نوري المالكي بتشكيل قائمته التي سميت قائمة "دولة القانون"، والتي أصبحت ضد القانون بكل ما تعني هذه الكلمة. وستكون قائمة عمار الحكيم بكل ما تعنى هذه الكلمة ضد مبدأ المواطنة المتساوية والموحدة، بل ستقوم على أساس طائفي محض، فالدعوة موجهة للشيعة وليس لغيرهم، خاصة وقد انتخب الحكيم على رأس تحالف "البيت الشيعي".
علينا أن نذكر السيد عادل عبد المهدي، وهو الذي انتقل من مواقع يسارية قلقة إلى مواقع دينية وطائفية، بأن تشكيل الأحزاب السياسية على أساس ديني ومذهبي يتناقض كل التناقض مع الدستور العراقي على علاته الراهنة أولاً، ومع المبادئ الواردة في لائحة حقوق الإنسان الدولية التي أقرت في العاشر من كانون الأول 1948 وبقية العهود والمواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان ثانياً، ومع العصر والحضارة الإنسانية المتطورة التي يعيشها العالم، وكذلك مع تاريخ وتجارب العراق الطويلة والمؤلمة حقاً. إن النهج والسياسات والمواقف الطائفية التي تميز بين أتباع الديانات والمذاهب لا تقود البلاد إلى الخير والتقدم والازدهار، بل تدفع به صوب الخلاف والصراع والنزاع والقتل على الهوية والإرهاب والفساد الذي يعيش العراق تحت وطأته في الوقت الحاضر ومن أكثر من عقد من السنين. لقد استبدل المحتل الأمريكي والأحزاب الإسلامية السياسة ودول الجوار الاستبداد والشوفينية البعثية بالحكم الطائفي الذي أدين حتى من المرجعية الشيعية التي طالبت بالإصلاح والتغيير وإقامة الدولة المدنية بعد أن أدركت المستنقع الذي سقط فيه العراق جراء سياسات رئيس الوزراء السابق ورئيس التحالف الوطني السابق وقوى وأحزاب التحالف الوطني الشيعي!
إن القوى التي لا تميل إلى النهج الطائفي يفترض فيها أن تنسلخ من التحالف الوطني وأن تفتح أبوابها لكل المواطنين والمواطنات بالعراق بغض النظر عن دياناتهم ومذاهبهم أو قومياتهم. وحين تبقى هذه الأحزاب في هذا التحالف البائس والبالي فكرياً، فكل ادعاء من قيادات تلك القوى عن قائمة عابرة للطوائف أو إنها غير طائفية تكون بعيدة عن الصدق والإخلاص لمبدأ المواطنة الحرة والمتساوية والمشتركة.
لا أخفيكم حين أقول بأن مثل هذه الدعوات والادعاء بأن التحالف الوطني خطوة إلى الأمام، لا يعني سوى تكريس الطائفية ونهجها المقيت، الذي ضيع العراق في فوضى الإرهاب والفساد، وهما الوجهان للعملة الواحدة، عملة الطائفية السياسية وصراعاتها الدموية والمدمرة للعراق وشعبه. إنها دعوة لتكريس الانقسام المجتمعي وتكريس الصراع على السلطة والمال والنفوذ لا غير.
أتمنى عليكم أن تفكروا بالشعب وبعيداً عن المصالح الطائفية، وأن تمعنوا النظر في ما هو عليه العراق الآن والأسباب التي قادته إلى هذا الواقع المرير والموت المستمر لأبناء وبنات العراق، وحيث تحاول القوات المسلحة العراقية والپيشمرگة بشجاعة فائقة، وبدعم دولي، التخلص من تركة سياسات ونهج رئيس الوزراء السابق والتحالف الوطني العراقي في الأنبار وصلاح الدين والموصل وعموم نينوى والحويجة وديالى وغيرها.
مقالات اخرى للكاتب